ما أحل الله لكم من الحرث والأنعام (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي ولا تسلكوا الطريق الذي يسوله لكم الشيطان بتحريم الحرث والأنعام (إِنَّهُ) أي الشيطان (لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١٤٢) أي ظاهر العداوة فقد أخرج آدم من الجنة. وقال : لأحتنكن ذريته إلا قليلا (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أي أصناف أربعة ذكور من كل من الإبل والبقر والغنم ، وأربعة إناث كذلك وهذا بدل من حمولة وفرشا (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) بدل من ثمانية أزواج أي أنشأ من الضأن زوجين الكبش والنعجة (وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) أي من المعز زوجين التيس والعنز (قُلْ) لهم إظهارا لانقطاعهم عن الجواب (آلذَّكَرَيْنِ) من ذينك النوعين وهما الكبش والتيس (حَرَّمَ) أي الله تعالى كما تزعمون أنه هو المحرم (أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) وهما النعجة والعنز (أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) أي أم ما حملت به إناث النوعين حرم الله تعالى ذكرا كان أو أنثى (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) أي أخبروني بعلم ناشئ عن طريق الإخبار من الله بأنه حرم ما ذكر (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (١٤٣) في دعواكم إن الله حرم بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو حاما (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ) أي وأنشأ من الإبل اثنين الجمل والناقة (وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ) من ذينك النوعين (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) أي بل أكنتم حاضرين حين أمركم الله بهذا التحريم. والمراد هل شاهدتم الله حرم هذا إن كنتم لا تؤمنون برسول فإنكم لا تقرون بنبوة أحد من الأنبياء فكيف تثبتون هذه الأحكام وتنسبونها إلى الله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي لا أحد أظلم ممن تعمد على الله كذبا بنسبة التحريم إليه.
قال المحققون : إذا ثبت أن من افترى على الله الكذب في تحريم مباح استحقّ هذا الوعيد الشديد فمن افترى على الله الكذب في مسائل التوحيد ومعرفة الذات والصفات والنبوات والملائكة ومباحث المعاد كان وعيده أشد وأشق (لِيُضِلَّ النَّاسَ) عن دين الله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال من فاعل يضل أي ملتبسا بغير علم بما يؤدي بهم إليه أو حال من فاعل افترى. أي افترى عليه تعالى جاهلا بصدور التحريم عنه تعالى. أي فمن افترى عليه تعالى جاهلا بصدور التحريم عنه تعالى مع احتمال الصدور عنه كان أظلم ظالم فما ظنك بمن افترى عليه تعالى وهو يعلم أنه لم يصدر عنه (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٤٤) أي لا يهدي أولئك المشركين أي لا ينقلهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) أي قل يا أشرف الخلق لهؤلاء الجهلة الذين يحكمون بالحلال والحرام من عند أنفسهم لا أجد في القرآن طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها على آكل بأكله من ذكر أو أنثى (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً).
قرأ ابن كثير وحمزة «تكون» بالتأنيث «ميتة» بالنصب على تقدير إلا أن تكون المحرمة ميتة. وقرأ ابن عامر «تكون» بالتأنيث «ميتة» بالرفع على معنى إلا أن توجد ميتة أو إلا أن تكون