(إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي ما تتبعون فيما أنتم عليه إلا الظن الباطل الذي لا يغني من الحق شيئا (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨) أي وما أنتم في ذلك إلا تكذبون على الله تعالى (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) أي قل لهم إن لم تكن لكم حجة فلله الحجة الواضحة التي تقطع عذر المحجوج وتزيل الشك عمن نظر فيها وهي إنزال الكتب وإرسال الرسل (فَلَوْ شاءَ) هدايتكم جميعا إلى الحجة البالغة (لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٤٩) ولكن لم يشأ هداية الكل بل هداية البعض. (قُلْ) يا أكرم الرسل لهم : (هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) أي أحضروا قدوتكم الذين ينصرون قولكم إن الله حرم الذي حرمتموه (فَإِنْ شَهِدُوا) بعد حضوهم بأن الله حرم ذلك (فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي فلا تصدقهم فيما يقولون بل بيّن لهم فساده لأن السكوت قد يشعر بالرضا (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (١٥٠) أي إن وقع منهم شهادة فإنما هي باتباع الهوى فلا تتبع أنت أهواءهم فهم كذبوا بالقرآن ولا يؤمنون بالبعث بعد الموت ويجعلون لله تعالى عديلا. (قُلْ) يا أكرم الرسل لمن سألك أي شيء حرم الله وهم مالك بن عوف وأصحابه : (تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) في الكتاب الذي أنزل ، «على» مفسرة لفعل التلاوة (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ) أي بربكم (شَيْئاً) من الإشراك (وَبِالْوالِدَيْنِ) أي وأحسنوا بهما (إِحْساناً) ولم يقل الله ولا تسيئوا الوالدين لأن مجرد عدم تلك الإساءة إليهما غير كاف في قضاء حقوقهما (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) أي من خوف الفقر وكانوا يدفنون البنات أحياء فبعضهم للغيرة وبعضهم لخوف الفقر وهذا هو السبب الغالب فبين تعالى فساد هذه العلة بقوله : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) أي أولادكم (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) أي الزنا (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي ما يفعل منها علانية في الحوانيت كما هو دأب أراذلهم وما يفعل سرا باتخاذ الأخدان كما هو عادة أشرافهم ، وجمع الفواحش للنهي عن أنواعها ولذلك ذكر ما أبدل عنها بدل اشتمال ، وتوسيط النهي عن الزنا بين النهي عن قتل الأولاد والنهي عن القتل مطلقا ، لأنه في حكم قتل الأولاد فإن أولاد الزنا في حكم الأموات. وقد قال صلىاللهعليهوسلم في حق العزل : «ذاك وأد خفي» (١). (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) قتلها بكونها معصومة بالإسلام أو بالعهد (إِلَّا بِالْحَقِ) أي إلا قتلا ملتبسا بالحق وهو أن يكون القتل للقصاص أو للردة أو للزنا بشرطه (ذلِكُمْ) أي التكاليف الخمسة (وَصَّاكُمْ بِهِ) أي أمركم به ربكم أمرا مؤكدا (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٥١) أي لكي تعقلوا فوائد هذه التكاليف في الدين والدنيا (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي إلا بالخصلة التي هي أحسن لليتيم كحفظه وتحصيل الربح به (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) أي قوته مع الرشد
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب النكاح ، باب : ١٤١ ، وابن ماجة في كتاب النكاح ، باب : الغيل ، وأحمد في (م ٦ / ص ٣٦١).