ومبدؤه من البلوغ وانتهاؤه إلى الثلاثة والثلاثين (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أي أتموا الكيل بالمكيال والوزن بالميزان بالعدل من غير نقصان من المعطي ومن غير طلب الزيادة من صاحب الحق (لا نُكَلِّفُ نَفْساً) عند الكيل والوزن (إِلَّا وُسْعَها) أي إلا طاقتها في الإيفاء والعدل فإن الواجب في إيفاء الكيل والوزن هو القدر الممكن في إيفائهما أما التحقيق فغير واجب (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أي ولو كان القول على ذي قرابة منكم فإذا دعا شخص إلى الدين وأقام الدليل عليه ذكر الدليل ملخصا عن الزيادة بألفاظ معتادة ، وإذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فلا ينقص عن القدر الواجب ولا يزيد في الإيذاء والإيحاش ، وإذا حكى الحكايات فلا يزيد فيها ولا ينقص عنها ، وإذا بلغ الرسالات عن الناس فيجب أن يؤديها من غير زيادة ولا نقصان ، وإذا حكم فيجب أن يحكم بالعدل وأن يسوى في القول بين القريب والبعيد وذلك لطلب رضا الله تعالى (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) أي أتموا ما عاهدتم الله عليه من الأيمان والنذور وغيرهما (ذلِكُمْ) أي التكاليف الأربعة (وَصَّاكُمْ بِهِ) أي أمركم به أمرا مؤكدا (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١٥٢) ولما كانت التكاليف الخمسة في الآية الأولى أمورا ظاهرة مما يجب تفهمها ختمت بقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ولما كانت هذه التكاليف الأربعة غامضة لا بدّ فيها من الاجتهاد في الفكر حتى يقف على موضع الاعتدال ختمت بقوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وحصل ما ذكر في هاتين الآيتين من المحرمات تسعة أشياء خمسة بصيغ النهي وأربعة بصيغ الأمر وتؤول الأوامر بالنهي لأجل التناسب وهذه الأحكام لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار (وَأَنَّ هذا) أي الذي بيّنه الرسول صلىاللهعليهوسلم من دين الإسلام (صِراطِي) أي ديني (مُسْتَقِيماً) أي لا اعوجاج فيه.
قرأ ابن عامر و «أن هذا» بفتح الهمزة وسكون النون ، فأصلها وأنه هذا فالهاء ضمير الشأن والحديث وهو اسم إن والجملة التي بعده خبره. وقرأ حمزة والكسائي و «إن» بكسر الهمزة وتشديد النون فالتقدير اتل ما حرم واتل إن هذا بمعنى قل. وقرأ الباقون بفتح الهمزة وتشديد النون والتقدير واتل عليهم إن هذا صراطي مستقيما (فَاتَّبِعُوهُ) أي هذا الصراط (وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) المخالفة لدين الإسلام (فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) أي فتميل بكم هذه السبل عن سبيل الله الذي لا اعوجاج فيه وهو دين الإسلام. وعن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما خطا ثم قال : «هذا سبيل الله» ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال : «هذه سبل على كل منها شيطان يدعو إليها» (١) (ذلِكُمْ) أي اتباع دين الله (وَصَّاكُمْ بِهِ) في الكتاب (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٥٣) اتباع الكفر والضلالات (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي ثم بعد تعديد المحرمات وغيرها من
__________________
(١) رواه الدارمي في المقدمة ، باب : في كراهية أخذ الرأي ، وأحمد في (م ١ / ص ٤٣٥).