هذه الأمة قردة وخنازير وتطوى الدواوين وتجف الأقلام لا يزاد في حسنة ولا ينقص من حسنة ، ولا ينفع نفسا إيمانها ، لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا» (١) (قُلِ انْتَظِرُوا) ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) (١٥٨) لذلك لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة. والمراد بهذا إن المشركين إنما يمهلون قدر مدة الدنيا فإذا ماتوا أو ظهرت الآيات لم ينفعهم الإيمان وحلّت بهم العقوبة اللازمة أبدا (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) أي أحزابا في الضلالة (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي لست من البحث في تفريقهم فأنت منهم بريء وهم منك برآء ، ولست من قتالهم في هذا الوقت في شيء (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) أي يدبره كيف يشاء يؤاخذهم في الدنيا متى شاء ويأمركم بقتالهم إذا أراد (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩) أي ثم يظهر الله لهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ويعلمهم أيّ شيء شنيع كانوا يفعلونه في الدنيا ، ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء. والمراد بهؤلاء المفرقين الخوارج كما أخرجه ابن أبي حاتم من حديث أبي أمامة : «أو هم أصحاب البدع والأهواء» كما أخرجه الطبراني من حديث عائشة.
وقال قتادة : هم اليهود والنصارى كما أخرجه عبد الرزاق وكما أخرج ابن أبي حاتم عن السدي وقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة ، وافترقت النصارى اثنين وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة واستثناء الواحدة من فرق أهل الكتابين إنما هو باعتبار ما قبل النسخ وأما بعده فالكل في الهاوية وإن اختلفت أسباب دخولهم وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في الهاوية إلا واحدة» (٢). رواه أبو داود والترمذي والحاكم.
وقرأ حمزة والكسائي «فارقوا» بالألف أي باينوا بأن تركوا بعض دين آبائهم. والباقون فرقوا بالتشديد أي اختلفوا في دينهم كما اختلف المشركون بعضهم يعبدون الملائكة ويزعمون أنهم بنات الله وبعضهم يعبدون الأصنام ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله وبعضهم يعبدون الكواكب (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة من المؤمنين (فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أي فله جزاء عشر أمثالها وهذا أقل ما وعد من الأضعاف فالمراد بالعشرة الأضعاف. مطلقا لا بالتحديد وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب ولذلك قيل : المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر في العدد الخاص (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أي بالأعمال السيئة (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي الأجزاء السيئة الواحدة إن جوزي (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٦٠) أي لا ينقصون من ثواب
__________________
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٣ : ٥٩).
(٢) رواه أبو داود في كتاب السنّة ، باب : شرح السنّة ، والترمذي في كتاب الإيمان ، باب : ١٨ ، وابن ماجة في كتاب الفتن ، باب : افتراق الأمم ، وأحمد في (م ٢ / ص ٣٣٢).