طاعتهم ولا يزادون في عقاب سيئاتهم (قُلْ) يا أشرف الخلق للمشركين الذين يدعون أنهم على ملة إبراهيم من أهل مكة واليهود والنصارى : (إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي أرشدني ربي بالوحي وبما نصب من الآيات التكوينية في الأنفس وفي السموات والأرض إلى طريق حق (دِيناً قِيَماً) أي لا عوج فيه.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح القاف وكسر الياء مشددة. والباقون بكسر القاف وفتح الياء مخففة ، وهو مصدر كالصغر والكبر والحول والشبع أي دينا ذا قيم أي صدق (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) أي مائلا عن الضلالة إلى الاستقامة (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٦١) وقوله تعالى : (دِيناً) بدل من محل صراط لأن محله النصب على أنه مفعول ثان أو مفعول لفعل مقدر والتقدير ألزموا دينا وقوله تعالى : (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) عطف بيان لـ «دينا» و (حَنِيفاً) حال من «إبراهيم» وكذا «وما كان» فهو عطف حال على أخرى (قُلْ إِنَّ صَلاتِي) أي الصلوات الخمس (وَنُسُكِي) أي ذبيحتي وجمع بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر : ٢]. أو المعنى وكل ما تقربت به إلى الله تعالى فإن معنى الناسك من صفّا نفسه من دنس الآثام (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) أي وما أنا عليه في حياتي وما أكون عليه عند موتي من الإيمان والطاعة (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦٢) أي إن صلاتي وسائر عبادتي وحياتي ومماتي كلها واقعة بخلق الله تعالى وتقديره وقضائه وحكمه (لا شَرِيكَ لَهُ) في الخلق والتقدير (وَبِذلِكَ) أي وبهذا التوحيد (أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (١٦٣) أي المستسلمين لقضاء الله وقدره فإنه صلىاللهعليهوسلم أول من أجاب ببلى يوم العهد لسؤال الله تعالى ألست بربكم ، أو المعنى وأنا أول المنقادين لله من أهل ملتي وهذا بيان لمسارعته صلىاللهعليهوسلم إلى الامتثال بأمر الله. (قُلْ) يا أشرف الرسل للكفار الذين قالوا لك ارجع إلى ديننا (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) أي أأعبد ربا غير الله (وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) أي والحال أن الله رب كل شيء مع أن الذين اتخذوا ربا غير الله أقروا بأن الله خالق الأشياء كما قال تعالى : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر : ٦٤] وأصناف المشركين أربعة عبدة الأصنام فهم معترفون بأن الله هو الخالق للسموات والأرض وللأصنام بأسرها وعبدة الكواكب فهم معترفون بأن الله خالقها ، والقائلون بيزدان وأهرمن فهم معترفون بأن الشيطان محدث وأن محدثه هو الله والقائلون : بأن المسيح ابن الله والملائكة بناته فهم معترفون بأن الله خالق الكل ، وإذا ثبت هذا فنقول : العقل الخالص يشهد بأنه لا يجوز جعل المربوب شريكا للرب وجعل المخلوق شريكا للخالق (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) ذنبا (إِلَّا عَلَيْها) أي الإحالة كونه مستعليا عليها بالمضرة أو حالة كونه مكتوبا عليها لا على غيرها (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ولا تحمل نفس آثمة ولا غير آثمة إثم نفس أخرى ، فلا تحمل نفس طائعة أو عاصية ذنب غيرها ، وإنما قيد في الآيات بالوازرة موافقة لسبب النزول وهو أن الوليد بن المغيرة كان يقول للمؤمنين : اتبعوا سبيلي أحمل عنكم أوزاركم (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ) أي إلى مالك أموركم