واعترافهم بالجناية (إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا) أي عذابنا في الدنيا (إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٥) فأقروا على أنفسهم بالشرك والإساءة حيث لم يتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم وذلك حين لم ينفعهم الاعتراف والندامة ، والمختار عند النحويين أن يكون محل أن قالوا رفعا بـ «كان» و «دعواهم» نصبا بدليل تذكير كان كقوله تعالى فما كان جواب قومه (إِلَّا أَنْ قالُوا) وقوله تعالى فكان عاقبتهما أنهما في النار وقوله تعالى وما كان حجتهم إلا أن قالوا (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) أي فلنسألن في موقف الحساب الأمم قاطبة قائلين ماذا أجبتم المرسلين (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٦) قائلين ماذا أجبتم وذلك للرد على الكفار إذا أنكروا التبليغ بقولهم ما جاءنا من بشير ولا نذير. فإذا أثبت الرسل أنهم لم يصدر منهم تقصير ألبتة فيتضاعف إكرام الله تعالى في حق الرسل لظهور براءتهم عن جميع موجبات التقصير وتضاعف أسباب الخزي والإهانة في حق الكفار لما ثبت أن جميع التقصير كان منهم. (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ) أي المرسلين والأمم لما سكتوا عن الجواب (بِعِلْمٍ) أي فلنخبرنهم بما فعلوا إخبارا ناشئا عن علم منا (وَما كُنَّا غائِبِينَ) (٧) عنهم في حال من الأحوال فيخفى علينا شيء من أحوالهم (وَالْوَزْنُ) أي وزن الأعمال (يَوْمَئِذٍ) أي كائن يوم إذ يسأل الله الأمم والرسل (الْحَقُ) أي العدل. أو المعنى والوزن يوم إذ يكون السؤال والقص هو الحق فـ «الحق» إما صفة للوزن أو خبر له ، و «يومئذ» إما ظرف له أو خبر له (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) بسبب ثقل الحسنات في الميزان (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٨) أي الفائزون بالنجاة والثواب (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بسبب خفة الحسنات في الميزان أو بسبب الأعمال التي لا اعتداد بها في الوزن (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ) (٩) أي فأولئك الموصوفون بخفة الموازين الذين خسروا أنفسهم بسبب تكذيبهم بآياتنا والفائدة في وضع ذلك الميزان أن يظهر ذلك الرجحان لأهل القيامة ، فإن كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ازداد سروره بسبب ظهور فضله وكمال درجته لأهل القيامة ، وإن كان بالضد فيزداد حزنه وخوفه في موقف القيامة ، ثم اختلفوا في كيفية ذلك الرجحان فبعضهم قال : يظهر هناك نور في رجحان الحسنات ، وظلمة في رجحان السيئات. وآخرون قالوا : بل يظهر رجحان في الكفة.
قال العلماء : الناس في الآخرة ثلاث طبقات : متقون لا كبائر لهم ، وكفار ومخلطون وهم الذين يأتون الكبائر. فأما المتقون : فإن حسناتهم توضع في الكفة النيّرة ، وصغائرهم لا يجعل الله لها وزنا بل تكفر صغائرهم باجتنابهم الكبائر وتثقل الكفة النيرة ويؤمر بهم إلى الجنة ويثاب كل واحد منهم بقدر حسناته ، وأما الكافر : فإنه يوضع كفره في الكفة المظلمة ولا توجد له حسنة توضع في الكفة الأخرى فتبقى فارغة ، فبأمر الله تعالى بهم إلى النار ويعذب كل واحد منهم بقدر أوزاره ، وأما الذين خلطوا فحسناتهم توضع في الكفة النيرة وسيئاتهم في الكفة المظلمة فيكون لكبائرهم ثقل فإن كانت الحسنات أثقل ولو بصؤابة دخل الجنة وإن كانت السيئات أثقل ولو