عليهم الضلالة ويؤيد هذا الإعراب قراءة أبي بن كعب «تعودون» فريقين فريقا هدى ، وفريقا حق عليهم الضلالة (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) فقبلوا ما دعوهم إليه ولم يتأملوا في التمييز بين الحق والباطل (وَيَحْسَبُونَ) أي يظن أهل الضلالة (أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) (٣٠) بدين الله ودلت هذه الآية على أن كل من شرع في باطل فهو مستحق للذم سواء حسب كونه هدى أو لم يحسب ذلك (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) أي البسوا ثيابكم التي تستر عوراتكم (عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي عند كل وقت طواف وصلاة (وَكُلُوا) من اللحم والدسم (وَاشْرَبُوا) من اللبن (وَلا تُسْرِفُوا) بالتعدي إلى الحرام أو بتحريم الحلال أو بالإفراط في الطعام (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٣١) أي إنه تعالى لا يرتضي فعلهم.
قال ابن عباس : إن أهل الجاهلية من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال ، بالنهار والنساء بالليل ، وكانوا إذا وصلوا إلى مسجد منى طرحوا ثيابهم وأتوا المسجد عراة. وقالوا : لا نطوف في ثياب أصبنا فيها الذنوب ، ومنهم من يقول نفعل ذلك تفاؤلا حتى نتعرى عن الذنوب كما تعرينا عن الثياب ، وكانت المرأة منهم تتخذ سترا تعلقه على حقويها لتستتر به عن قريش فإنهم كانوا لا يفعلون ذلك ، وكانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم من الطعام إلا قوتا ، ولا يأكلون لحما ولا دسما يعظمون بذلك حجهم. فقال المسلمون : يا رسول الله فنحن أحق أن نفعل ذلك. فأنزل الله تعالى هذه الآية : (قُلْ) يا أشرف الخلق لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يطوفون بالبيت عراة والذين يحرمون على أنفسهم في أيام الحج اللحم والدسم : (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ) من الثياب (الَّتِي أَخْرَجَ) الزينة (لِعِبادِهِ) من النبات كالقطن والكتان ، ومن الحيوان كالحرير والصوف ومن المعادن كالدروع (وَ) من حرم (الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) أي المستلذات من المآكل والمشارب (قُلْ هِيَ) أي الزينة والطيبات ثابتة (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بطريق الأصالة (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) غير خالصة لهم لأنه يشركهم فيها المشركون (خالِصَةً) لهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي لا يشاركهم فيها غيرهم.
قرأ نافع خالصة بالرفع على أنه خبر بعد خبر ، أو خبر لمبتدأ محذوف أي وهي خالصة. والباقون بالنصب حال من الضمير المستكن في الخبر (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي مثل هذا التبيين نبين سائر الأحكام (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٣٢) أن الله واحد لا شريك له فأحلوا حلاله وحرموا حرامه (قُلْ) للمشركين الذين يتجردون من ثيابهم في الطواف والذين يحرمون أكل الطيبات (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) أي الزنا (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي جهرها وسرها (وَالْإِثْمَ) أي شرب الخمر (وَالْبَغْيَ) أي الظلم على الناس (بِغَيْرِ الْحَقِ) فالقتل والقهر بالحق ليس بغيا (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي وأن تسووا بالله في العبادة معبودا ليس على ثبوته حجة (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) (٣٣) بالإلحاد في صفاته والافتراء عليه من التحريم والتحليل ، فالجنايات محصورة في خمسة أنواع :