أحدها : الجنايات على الأنساب وهي المرادة بالفواحش.
وثانيها : الجنايات على العقول وهي المشار إليها بالإثم.
وثالثها : الجنايات على النفوس ، والأموال والأعراض وإليها الإشارة بالبغي.
ورابعها : الجنايات على الأديان وهي من وجهين : إما الطعن في توحيد الله تعالى وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ) وإما القول في دين الله من غير معرفة وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) وهذه الأشياء الخمسة أصول الجنايات وأما غيرها فهي كالفروع (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) كذبت رسولها (أَجَلٌ) أي وقت معين لهلاكها (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٣٤) أي فإذا جاء وقت هلاكهم لا يتركون بعد الأجل طرفة عين ، ولا يهلكون قبل الأجل طرفة عين فالجزاء مجموع الأمرين لا كل واحد على حدته. والمعنى إن الوقت المحدود لا يتغير (يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٣٥) أي يا بني آدم إن يأتكم رسول من جنسكم ـ بني آدم ـ يبين لكم أحكامي وشرائعي فمن اتقى كل منهي واتقى تكذيبه وأصلح عمله بأن يأتي كل أمره فلا يخاف في الآخرة من العذاب ولا يحزن على ما فاته في الدنيا أما حزنه على عقاب الآخرة فيرتفع بما حصل له من زوال الخوف (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) التي يجيء بها رسولنا (وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) أي امتنعوا من قبولها (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٦) لا يموتون ولا يخرجون أما الفاسق من أهل الصلاة فلا يبقى مخلدا في النار لأنه ليس موصوفا بذلك التكذيب والاستكبار (فَمَنْ أَظْلَمُ) أي أعظم ظلما (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي كإثبات الشريك والولد إليه تعالى وإضافة الأحكام الباطلة إليه تعالى (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) كإنكار كون القرآن كتابا نازلا من عند الله تعالى وإنكار نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم (أُولئِكَ يَنالُهُمْ) في الدنيا (نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ) أي مما كتب لهم من الأرزاق والأعمار (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا) أي ملك الموت وأعوانه (يَتَوَفَّوْنَهُمْ) أي حال كونهم قابضين أرواحهم (قالُوا) لهم : (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أين الآلهة التي كنتم تعبدونها في الدنيا ادعوها لتدفع عنكم ما نزل بكم (قالُوا ضَلُّوا) أي غابوا (عَنَّا) أي لا ندري مكانهم (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) (٣٧) أي وأقروا عند الموت بأنهم كانوا في الدنيا عابدين لما لا يستحق العبادة أصلا ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٨]. لأنه من طوائف مختلفة أو في أوقات مختلفة. (قالَ) تعالى يوم القيامة : (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) أي ادخلوا في النار فيما بين الأمم الكافرين الذين تقدم زمانهم زمانكم من هذين النوعين (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ) أي أهل دين في النار (لَعَنَتْ أُخْتَها) في الدين وهي التي تلبست بذلك الدين قبلها فيلعن المشركون المشركين واليهود اليهود ،