والنصارى النصارى ، والصابئون الصابئين ، والمجوس المجوس (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا) أي اجتمعوا (فِيها) أي النار (جَمِيعاً) وأدرك بعضهم بعضا واستقر معه (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ) أي قال آخر كل أمة لأولها (رَبَّنا هؤُلاءِ) أي الأولون (أَضَلُّونا) عن دينك بإخفاء الدلائل (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) أي عذبهم مثل عذابنا مرتين (قالَ) تعالى لهم (لِكُلٍ) منهم ومنكم (ضِعْفٌ) فكل ألم يحصل له يعقبه ألم آخر ، إلى غير نهاية فالآلام متزايدة من غير نهاية أما القادة فلكفرهم وإضلالهم وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم (وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) (٣٨).
قرأه أبو بكر عن عاصم بالغيبة أي ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر. والباقون بالتاء على الخطاب ولكن لا تعلمون أيها السائلون ما لكل فريق منكم من العذاب. أو المعنى ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ذلك (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ) مخاطبة لها حين سمعوا جواب الله تعالى لهم (فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) في الدنيا أي إنا وإياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب لأنكم كفرتم اختيارا لا أنا حملناكم على الكفر إجبارا فلا يكون عذابنا ضعفا (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (٣٩) أي تقولون وتعملون في الدنيا وهذا يحتمل أن يكون من كلام القادة للأتباع وأن يكون من قول الله تعالى للجميع (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بالدلائل الدالة على أصول الدين (وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها) أي ترفعوا عن الإيمان بها (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) أي لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لشيء مما يريدون به طاعة الله ولا لأرواحهم (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) أي كما يستحيل دخول الذكر من الإبل في خرق الإبرة يستحيل دخول الكفار الجنة ويقال : حتى يدخل القلس الغليظ وهو الجبل الذي تشد به السفينة في خرق الإبرة وكل ثقب ضيق فهو سم (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) (٤٠) أي ونجزي المشركين جزاء مثل جزاء المكذبين المستكبرين من عدم فتح أبواب السماء وعدم دخولهم الجنة وإنما يدخلون النار بهذه الصفات (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ) أي للذين كذبوا واستكبروا من جهنم فراش من تحتهم ومن فوقهم أغطية وهذه الآية إخبار عن إحاطة النار بهم من كل جانب فلهم منها غطاء ووطاء وفراش ولحاف.
تنبيه : تنوين غواش عوض من الياء المحذوفة على الصحيح فإن الإعلال بالحذف مقدم على منع الصرف فأصله غواشي بتنوين الصرف فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت فاجتمع ساكنان الياء والتنوين ، فحذفت الياء ، ثم لوحظ كونه على صيغة مفاعل في الأصل فحذف تنوين الصرف فخيف من رجوع الياء فيحصل الثقل فأتي بالتنوين عوضا عنها ، فغواش المنون ممنوع من الصرف لأن تنوينه تنوين عوض كما علمت ، وتنوين الصرف قد حذف وإنما كان الراجح تقديم الإعلال لأن سببه ظاهر وهو الثقل وسبب منع الصرف خفي وهو مشابهة الفعل (وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (٤١) أي كالجزاء المذكور للمكذبين المستكبرين نجزي الكافرين (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٤٢) أي