والذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به من شرائع دينه وعملوا بما أمرهم به وأطاعوه في ذلك وتجنبوا ما نهاهم عنه لا نكلف نفسا إلا ما يسهل عليها من الأعمال وما يدخل في قدرتها ولا ضيق فيه عليها وقوله تعالى : (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [الأنعام : ١٥٢]. اعتراض وقع بين المبتدأ والخبر والتقدير والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون. وإنما حسن وقوع هذا الكلام بين المبتدأ والخبر ، لأنه من جنس ما قبله فإنه بيان أن ذلك العمل غير خارج عن قدرتهم وتنبيه على أن الجنة مع عظم قدرها يتوصل إليها بالعمل السهل من غير تحمل الصعب (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) أي صفينا طباعهم من الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في دار الدنيا ودرجات أهل الجنة متفاوتة بحسب الكمال والنقصان ، فالله تعالى أزال الحسد عن قلوبهم حتى إن صاحب الدرجة النازلة لا يحسد صاحب الدرجة الكاملة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) أي تجري في الآخرة من تحت سررهم أنهار الخمر والماء والعسل واللبن زيادة في لذتهم وسرورهم. (وَقالُوا) إذا بلغوا إلى منازلهم أو إلى عين الحيوان : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) أي للعمل الذي ثوابه هذا المنزل وهذه العين التي تجري من تحتنا (وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي لو لا هداية الله لنا موجودة ما اهتدينا إلى الإيمان والعمل الصالح.
قرأ ابن عامر «ما كنا» بغير واو كما في مصاحف أهل الشام وذلك ، لأنه جار مجرى التفسير لقوله : (هَدانا لِهذا) فلما كان أحدهما عين الآخر وجب حذف الحرف العاطف (لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) هذا إقسام من أهل الجنة ، قالوا ذلك حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا تبجحا بما نالوه. أي والله لقد جاءت رسل ربنا في الدنيا بالحق أي ما أخبرونا به في الدنيا من الثواب صدق فقد حصل لنا عيانا (وَنُودُوا) أي نادتهم الملائكة عند رؤيتهم الجنة من مكان بعيد (أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ) أي تلك الجنة التي وعدتكم الرسل بها في الدنيا فـ «أن» مفسرة لما في النداء وكذا في سائر المواضع الخمسة (أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٤٣) أي أعطيتموها بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمة الله تعالى فإذا دخلوها بأعمالهم فقد ورثوها برحمته ودخلوها برحمته إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل منه عليهم (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) ـ تبجحا بحالهم وتنديما لأصحاب النار وذلك بعد استقرارهم في محالهم ـ : (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا) على ألسنة رسله من الثواب على الإيمان به وبرسله وعلى طاعته (حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ) يا أهل النار (ما وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العذاب على الكفر (حَقًّا قالُوا) أي أهل النار مجيبين لأهل الجنة (نَعَمْ).
قرأ الكسائي «نعم» بكسر العين في كل القرآن (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ) قيل : هو إسرافيل. وقيل : جبريل (بَيْنَهُمْ) أي نادى مناد أسمع الفريقين (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤٤) (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي يمنعون الناس من قبول الدين الحق تارة بالزجر والقهر وأخرى بسائر الحيل.