قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم «أن لعنة» بتخفيف «أن» ورفع «لعنة». والباقون بالتشديد وبالنصب (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يطلبون السبيل معوجة بإلقاء الشكوك في دلائل الدين الحق (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ) أي بالبعث بعد الموت (كافِرُونَ) (٤٥) أي جاحدون (وَبَيْنَهُما) أي بين الجنة والنار أو بين أهلهما (حِجابٌ) أي سور (وَعَلَى الْأَعْرافِ) أي أعالي ذلك السور المضروب بين الجنة والنار (رِجالٌ). قيل : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. وقيل : هم قوم قتلوا في سبيل الله وهم عصاة لآبائهم. وقيل : هم قوم كان فيهم عجب ، وقيل : هم قوم كان عليهم دين فهذه الأقوال تدل على أن أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة من أهل الثواب. وقيل : إنهم الأشراف من أهل الثواب. وقيل : إنهم الأنبياء وإنما أجلسهم الله على ذلك المكان العالي تمييزا لهم على سائر أهل القيامة. وقيل : إنهم الشهداء وهم شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة وعلى أهل الكفر والمعصية فهم يعرفون أن أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات وأهل العقاب وصلوا إلى الدركات كما قال تعالى : (يَعْرِفُونَ كُلًّا) من أهل الجنة وأهل النار زيادة على معرفتهم بكونهم في الجنة وكونهم في النار (بِسِيماهُمْ) أي بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبياض الوجه وسواده.
وقيل : إن أصحاب الأعراف كانوا يعرفون المؤمنين في الدنيا بظهور علامات الإيمان والطاعات عليهم ، ويعرفون الكافرين في الدنيا أيضا بظهور علامات الكفر والفسق عليهم ، فإذا شاهدوا أولئك الأقوام في محفل القيامة ميّزوا البعض عن البعض بتلك العلامات التي شاهدوها عليهم في الدنيا (وَنادَوْا) أي رجال الأعراف (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أي حين رأوهم (أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) يا أهل الجنة وهذا بطريق التحية والدعاء أو بطريق الإخبار بنجاتهم من المكاره (لَمْ يَدْخُلُوها) حال من فاعل نادوا (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) (٤٦) حال من فاعل يدخلوها أي لم يدخل رجال الأعراف الجنة وهم في وقت عدم الدخول طامعون. وقيل : قوله : (لَمْ يَدْخُلُوها) مستأنف لأنه جواب سؤال سائل عن رجال الأعراف فقال : ما صنع بهم؟ فقيل : لم يدخلوها ولكنهم يطمعون في دخولها.
وقال مجاهد : أصحاب الأعراف قوم صالحون ، فقهاء علماء ، فعلى هذا القول : إنما يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة وليرى غيرهم شرفهم وفضلهم. والمراد من هذا الطمع طمع يقين أي وهم يعلمون أنهم سيدخلون الجنة (وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ) أي رجال الأعراف بغير قصد (تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ) أي إلى جهتهم (قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٧) أي كلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النار تضرعوا إلى الله تعالى في أن لا يجعلهم من زمرتهم. والمقصود من جميع هذه الآيات التخويف عن التقليد الرديء (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) كانوا عظماء في الدنيا من أهل النار (يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا) أي أصحاب الأعراف لهم وهم