مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي ما يحب اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه ومشركو العرب أبو جهل وأصحابه أن ينزل عليكم وحي من ربكم لأنهم يحسدونكم به (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ) أي بوحيه (مَنْ يَشاءُ) أي من كان أهلا لذلك وهو محمد صلىاللهعليهوسلم (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١٠٥) بالوحي على محمد صلىاللهعليهوسلم من غير علة ولما قال الكفار : إن محمدا يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه وما يقوله : إلا من تلقاء نفسه نزل قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).
قرأ ابن عامر «ننسخ» بضم النون الأولى وكسر السين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ننسأ» بفتح النون الأولى والسين وبهمزة ساكنة بعد السين أي ما نبدل آية إما بأن نبدل حكمها فقط أو تلاوتها فقط أو نبدلهما معا ، أو نتركها كما كانت فلا نبدلها ، نأت بأنفع من المنسوخ وأخف في العمل بها ، أو نأت بمثلها في الثواب والنفع والعمل أو يقال : ما نمحو من آية قد عمل بها ، أو نؤخر نسخها فلا نرفع تلاوتها ولا نزيل حكمها ، نأت بما هو أنفع للعباد في السهولة كنسخ وجوب مصابرة الواحد لعشرة من الأعداء بوجوب مصابرته لاثنين أو في كثرة الأجر كنسخ التخيير بين الصوم والفدية بتعيين الصوم أو نأت بمثلها في التكليف والثواب كنسخ وجوب استقبال صخرة بيت المقدس بوجوب استقبال الكعبة فهما متساويان في الأجر (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٠٦) وهذا تنبيه للنبي صلىاللهعليهوسلم وغيره على قدرته تعالى على تصريف المكلف تحت مشيئته وحكمه وحكمته وإنه لا دافع لما أراد ولا مانع لما اختار. (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهذا هو التنبيه على أنه تعالى إنما حسن منه التكليف لمحض كونه مالكا للخلق مستوليا عليهم لا لثواب يحصل ولا لعقاب يندفع. (وَما لَكُمْ) يا معشر اليهود (مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (مِنْ وَلِيٍ) أي قريب ينفعكم (وَلا نَصِيرٍ) (١٠٧) يمنع عنكم عذابه. وفرق بين الوليد والنصير بأن الولي قد يعجز عن النصرة والنصير قد يكون أجنبيا عن المنصور ولما قالت اليهود : يا محمد ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة نزل قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ) أي أتريدون (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) أي الرسول الذي جاءكم (كَما سُئِلَ مُوسى) أي سأله بنو إسرائيل رؤية الرب وغير ذلك (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هذا الرسول (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١٠٨) أي ومن يختر الكفر على الإيمان أي بأن يأخذ الكفر بدل الإيمان فقد أخطأ الطريق المستوي أي الحق (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي من أحبار اليهود كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب (لَوْ يَرُدُّونَكُمْ) يا عمار ويا حذيفة ويا معاذ بن جبل (مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ) بمحمد والقرآن (كُفَّاراً) أي تمنى كثير من اليهود أن يصيّروكم من بعد إيمانكم مرتدين.