أقدمت على أخي هارون من هذا الغضب (وَلِأَخِي) في تركه التشديد على عبدة العجل (وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ) أي جنتك بمزيد الأنعام بعد غفران ما سلف منا (وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (١٥١) فأنت أرحم بنا منا على أنفسنا (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) أي عبدوه واستمروا على عبادته كالسامري وأشياعه (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ) عظيم كائن (مِنْ رَبِّهِمْ) في الآخرة (وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهي الاغتراب والمسكنة المنتظرة لهم ولأولادهم جميعا والذلة التي اختص بها السامري هو الانفراد عن الناس والابتلاء بلا مساس ، ويروى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك وإذا مس أحدهم أحدا غيرهم حما جميعا في الوقت (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) (١٥٢) أي الكاذبين على الله.
والمعنى أن كل مفتر في دين الله فجزاؤه غضب الله والذلة في الدنيا.
قال مالك بن أنس : ما من مبتدع إلا ويجد فوق رأسه ذلة لأن المبتدع مفتر في دين الله (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) أي التي من جملتها عبادة العجل (ثُمَّ تابُوا) عن تلك السيئات (مِنْ بَعْدِها) أي من بعد عملها (وَآمَنُوا) إيمانا صحيحا بالله تعالى بأن صدقوا بأنه تعالى لا إله غيره ولم يصروا على ما فعلوا كالطائفة الأولى (إِنَّ رَبَّكَ) أي يا أفضل الخلق (مِنْ بَعْدِها) أي من بعد تلك التوبة المقرونة بالإيمان (لَغَفُورٌ) للذنوب وإن عظمت وكثرت (رَحِيمٌ) (١٥٣) أي مبالغ في إفاضة فنون الرحمة الدنيوية والأخروية أي من أتى بجميع السيئات ثم تاب فإن الله يغفرها له وهذا من أعظم ما يفيد البشارة للمذنبين (وَلَمَّا سَكَتَ) أي زال (عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) باعتذار أخيه وتوبة القوم. وقرئ «سكن» بالنون ، و «أسكت» بالتاء مع الهمزة على أن الفاعل هو الله تعالى أو أخوه (أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها) أي وفي المكتوب فيها من اللوح المحفوظ (هُدىً) أي بيان للحق (وَرَحْمَةٌ) للخلق بإرشادهم إلى ما فيه الخير والصلاح (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) (١٥٤) اللام الأولى متعلق بمحذوف وهو صفة لرحمة والثانية لتقوية عمل الفعل المؤخر (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا).
روي أن موسى اختار من اثني عشر سبطا ستة ، فصاروا اثنين وسبعين ، فقال : ليتخلف منكم رجلان. فتشاجروا ، فقال : إن لمن قعد منكم مثل أجر من خرج فقعد كالب ويوشع وذهب مع الباقين وأمرهم أن يصوموا ويتطهروا ويطهروا ثيابهم ، فخرج بهم إلى طور سيناء فلما دنوا من الجبل غشية غمام فدخل موسى بهم الغمام ، وخروا سجدا فسمعوه تعالى يكلم موسى بأمره وينهاه ، ثم انكشف الغمام فأقبلوا إلى موسى وقالوا : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. أي لن نصدقك في أن الآمر بما سمعنا من الأمر بقتل أنفسهم هو الله تعالى حتى نراه فأخذتهم رجفة الجبل يوما وليلة.
تنبيه : «اختار» يتعدى إلى اثنين ثانيهما مجرور بـ «من» ثم يحذف حرف الجر ويوصل الفعل إلى المجرور وسبعين مفعول أول (فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) أي الزلزلة الشديدة. (قالَ)