قادرا على إيصال الجزاء لأنه بتقدير عدم ثبوت الإعادة كان الاشتغال بالطاعة والاحتراز عن المعصية عبثا ولغوا ، ولما ثبت القول بصحة هذه الأصول الثلاثة ثبت أنه يصح من الله تعالى إرسال الرسل ومطالبة الخلق بالتكاليف ، لأن الخلق كلهم عبيده تعالى ولذلك قال تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ).
واعلم أن هذا إشارة إلى المعجزات الدالة على كون محمد نبيا حقا ، ومعجزات رسول الله كانت على نوعين
الأول : المعجزات التي ظهرت في ذاته المباركة وأجلها أنه صلىاللهعليهوسلم كان رجلا أمّيا لم يتعلم من أستاذ ، ولم يطالع كتابا ، ولم يتفق له مجالسة أحد من العلماء ومع ذلك فتح الله عليه باب العلم وأظهر عليه القرآن المشتمل على علوم الأولين والآخرين ، فظهور هذه العلوم العظيمة على من كان صفته أميا أعظم المعجزات.
والثاني : المعجزات التي ظهرت من خارج ذاته مثل انشقاق القمر ونبوع الماء من بين أصابعه وهي تسمى بكلمات الله تعالى ، لأنها لما كانت أمورا غريبة خارقة للعادة تسمى بكلمات الله ، كما أن عيسى عليهالسلام لما كان حدوثه أمرا غريبا مخالفا للمعتاد سماه الله تعالى كلمة.
وقال ابن عباس : ومعنى كلماته بالجمع كتابه ـ وهو القرآن ـ وإن قرئ «وكلمته» بالإفراد كان معناه عيسى ، وهذا تنبيه على أن من لم يؤمن به لم يعتدّ بإيمانه وتعريض باليهود ، ولما ثبت بالدلائل نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ذكر الله الطريق الذي به يمكن معرفة شرعه بالتفصيل وهو الرجوع إلى أقواله وأفعاله فقال : (وَاتَّبِعُوهُ) أي في كل ما يأتي وما يذر من أمور الدين (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١٥٨) أي رجاء لاهتدائكم إلى المطلوب (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ) أي جماعة (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي يدعون الناس إلى الهداية بالحق (وَبِهِ) أي بالحق (يَعْدِلُونَ) (١٥٩) في الأحكام الجارية فيما بينهم ، فقيل : هم اليهود الذين كانوا في زمان الرسول وأسلموا مثل عبد الله بن سلام وابن صوريا. وقيل : إنهم قوم مشوا على الدين الحق الذي جاء به موسى ودعوا الناس إليه وصانوه عن التحريف في زمن تفريق بني إسرائيل وإحداثهم البدع.
وقال السدي وجماعة من المفسرين : إن بني إسرائيل لما كفروا وقتلوا الأنبياء بقي سبط من جملة الاثني عشر ، فما صنعوا وسألوا الله تعالى أن ينقذهم منهم ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه سنة ونصفا حتى خرجوا من وراء الصين عند مطلع الشمس على نهر رمل يسمى أردن وهم اليوم هناك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا (وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً) أي فرقنا بني إسرائيل اثنتي عشرة فرقة ، لأنهم كانوا من اثني عشر رجلا من أولاد يعقوب ، وميزنا بعضهم من