بعض أسباطا قائم مقام قبيلة وهو تمييز أو بدل من اثنتي عشرة وأمما بدل من أسباطا أي وصيّرناهم أمما ، لأن كل سبط كان أمة عظيمة (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ) حين استولى عليهم العطش في التيه الذي وقعوا فيه بسوء صنيعهم واستسقاء موسى لهم (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) الذي معك (فَانْبَجَسَتْ) أي فضرب فانفجرت (مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) بعدد الأسباط (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ) أي كل سبط (مَشْرَبَهُمْ) أي عينهم الخاصة بهم (وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ) في التيه من حر الشمس تسير الغمام بسيرهم وتسكن بإقامتهم ، وتضيء لهم في الليل مثل السراج (وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَ) وهو شيء حلو كان ينزل عليهم مثل الثلج من الفجر إلى طلوع الشمس ويأخذ كل إنسان صاعا (وَالسَّلْوى) أي الطير السماني بتخفيف الميم وبالقصر ، وتسوقه الريح الجنوب عليهم فيذبح كل واحد منهم ما يكفيه وهو يموت إذا سمع صوت الرعد فيلهمه الله تعالى أن يسكن جزائر البحر التي لا يكون فيها مطر ولا رعد إلى انقضاء أوانهما ، فيخرج من الجزائر وينتشر في الأرض ، وخاصيته أن أكل لحمه يلين القلوب القاسية (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي وقلنا لهم : كلوا من مستلذاته من المن والسلوى ، والمعنى قصر أنفسهم على ذلك المطعوم وعلى ترك غيره ، فامتنعوا من ذلك وسئموا وسألوا غير ذلك (وَما ظَلَمُونا) بمقابلة تلك النعم بالكفران (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١٦٠) بمخالفتهم ما أمروا به (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ) أي اذكر يا أكرم الرسل لبني إسرائيل وقت قوله تعالى لأسلافهم : (اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) أي قرية الجبارين قوم من بقية عاد رئيسهم عوج بن عنق أي قال الله تعالى على لسان موسى لهم : إذا خرجتم من التيه اسكنوا بيت المقدس أو قال لهم على لسان يوشع بعد خروجهم من التيه اسكنوا أريحاء (وَكُلُوا مِنْها) أي القرية (حَيْثُ شِئْتُمْ) ومتى شئتم (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي أمرك حطّة لذنوبنا (وَادْخُلُوا الْبابَ) أي باب القرية. وقيل : باب القبة التي كانوا يصلون إليها (سُجَّداً) شكرا على إخراجهم من التيه (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ).
وقرأ نافع وابن عامر «تغفر» بالتاء المضمومة. وقرأ نافع «خطيئاتكم» بجمع السلامة ، وابن عامر «خطيئتكم» على التوحيد ، والباقون «نغفر» بنون مفتوحة ، وأبو عمرو خطاياكم بجمع التكسير. والباقون خطيئاتكم بجمع السلام وفي قراءة «يغفر» بالياء فعلى هذا لا يقرأ خطابا بالإفراد وعلى التاء لا يقرأ خطابا (سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) (١٦١) بالطاعة في إحسانهم (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) وهم أصحاب الخطيئة (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) أي غير الذي أمروا به من التوبة وقالوا مكان حطة حنطة.
وروي أنهم دخلوا زاحفين على أدبارهم استخفافا بأمر الله تعالى واستهزاء بموسى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) عقب ما فعلوا من غير تأخير (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) أي عذابا كائنا منها وهو الطاعون (بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) (١٦٢) أنفسهم لأنهم خرجوا عن طاعة الله تعالى.