روي أنه مات منهم في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفا (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) أي واسأل يا أشرف الخلق ، اليهود المعاصرين لك ، سؤال تقريع عن خبر أهل المدينة التي كانت قريبة من بحر القلزم ، وهي أيلة قرية بين مدين والطور. وقيل : هي قرية يقال لها : مقنا بين مدين وعينونا ، وسبب نزول هذه الآية أن اليهود قالوا : لم يصدر من بني إسرائيل كفر ولا مخالفة للرب فأمره الله تعالى أن يسألهم عن حال أهل هذه القرية في زمن داود عليهالسلام تقريعا ، فإنهم يعتقدون أنه لا يعلمه أحد غيرهم ، فذكر الله لهم قصة أهل تلك المدينة فبهتوا وظهر كذبهم (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) أي يجاوزون حد الله تعالى بأخذ الحيتان يوم السبت وقد نهوا عنه (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ) أي يوم تعظيمهم لأمر السبت بالتجرد للعبادة (شُرَّعاً) أي ظاهرة على وجه الماء قريبة من الساحل (وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ).
وقرئ شاذا بضم الباء. وقرأ علي رضياللهعنه بضم الياء من الرباعي ، وعن الحسن بالبناء للمفعول أي لا يدخلون في السبت (لا تَأْتِيهِمْ).
قال ابن عباس ومجاهد : إن اليهود أمروا باليوم الذي أمرتم به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت فابتلاهم الله به وحرم عليهم الصيد فيه ، وأمروا بتعظيمه فإذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر ، فإذا انقضى السبت ذهبت وما تعود إلا في السبت المقبل (كَذلِكَ) أي مثل ذلك البلاء (نَبْلُوهُمْ) أي نعاملهم معاملة من يختبرهم (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٣) أي بسبب فسقهم (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ) أي جماعة من أهل القرية ومن صلحائهم الذين ركبوا الصعب في موعظة أولئك الصيادين حتى أيسوا من قبولهم لأقوام آخرين لا يقلعون عن وعظهم رجاء للنفع وطمعا في فائدة الإنذار (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) أي مخزيهم في الدينا (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة لعدم إقلاعهم عمّا كانوا عليه من الفسق (قالُوا) أي الواعظون : (مَعْذِرَةً).
قرأه حفص عن عاصم بالنصب أي وعظناهم لأجل المعذرة. والباقون بالرفع أي موعظتنا معذرة (إِلى رَبِّكُمْ) لئلا ننسب إلى نوع تفريط في النهي عن المنكر (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤) أي ورجاء لأن يتقوا بعض التقاة (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) أي فلمّا تركوا ما وعظوا به بحيث لم يخطر ببالهم شيء من تلك المواعظ أصلا (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) أي عن أخذ الحيتان يوم السبت وهم الفريقان المذكوران (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) بأخذ الحيتان ذلك اليوم (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) أي شديد. وقرأ أبو بكر «بيئس» على وزن ضيغم وابن عامر «بئس» بوزن حذر (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (١٦٥) أي أخذناهم بالعذاب بسبب الفسق الذي هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم فالباءان متعلقان بأخذنا (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) أي فلما أبوا عن ترك ما نهوا عنه (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا