الذي آتيناه علوم الكتب القديمة والتصرف بالاسم الأعظم وهو أحد علماء بني إسرائيل فكان يدعو به حيث شاء فيجاب بعين ما طلب في الحال ، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش ، وكان في مجلسه اثنا عشر ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه ، ثم صار بحيث كان أول من صنف كتابا أن ليس للعلم صانع وهذا معنى فانسلخ منها أي انسلخ من تلك الآيات انسلاخ الحية من جلدها بأن كفر بها فأدركه الشيطان فصار من زمرة الضالين.
قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد رحمهمالله تعالى : نزلت هذه الآية في بلعم بن باعوراء ، وذلك لأن موسى عليهالسلام قصد بلده الذي هو فيه وغزا أهله وكانوا كفارا ، فطلبوا منه أن يدعو على موسى عليهالسلام وقومه وكان مجاب الدعوة وعنده اسم الله الأعظم ، فامتنع منه فما زالوا يطلبونه منه حتى دعا عليه فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه فقال موسى : يا رب بأيّ ذنب وقعنا في التيه؟ فقال : بدعاء بلعم ، فقال : كما سمعت دعاءه عليّ فاسمع دعائي عليه ، ثم دعا موسى عليه أن ينزع منه اسم الله الأعظم والإيمان ، فسلخه الله مما كان عليه ونزع منه المعرفة فخرجت من صدره كحمامة بيضاء (وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها) أي ولو شئنا رفعه لرفعناه للعمل بتلك الآيات ، فكان يرفع منزلته بواسطة تلك الأعمال الصالحة (وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ) أي مال إلى الدنيا فآثر الدنيا الدنية على المنازل السنية (وَاتَّبَعَ هَواهُ) في إيثار الدنيا معرضا عن تلك الآيات الجليلة (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) أي صفة بلعم كصفتي الكلب في حالتي التعب والراحة ، فهذا الكلب إن شد عليه لهث وإن ترك أيضا لهث لأجل أن ذلك الفعل القبيح طبيعة أصلية له فكذلك هذا الحريص الضال إن وعظته فهو ضال ، وإن لم تعظه فهو ضال لأجل أن ذلك الضلال طبيعة ذاتية له واللهث إدلاع اللسان بالتنفس الشديد أي فالكلب دائم اللهث سواء أزعجته بالطرد العنيف ، أو تركته على حاله بخلاف سائر الحيوانات فإنها لا تحتاج إلى التنفس الشديد إلا عند التعب (ذلِكَ) أي المثل السيئ (مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) وهم اليهود حيث أوتوا في التوراة ما أوتوا من نعوت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وبشروا الناس باقتراب مبعثه فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وانسلخوا من حكم التوراة (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ) أي فاقصص يا أكرم الرسل على قومك قصص الذين كذبوا أنبياءهم (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (١٧٦) أي يتعظون (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا بعد قيام الحجة عليها وعلمهم بها (وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ) (١٧٧) معطوف على كذبوا داخل معه في حكم الصلة ، أي الذين جمعوا بين التكذيب في آيات الله وظلم أنفسهم خاصة.
وقرأ الجحدري ساء مثل القوم (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) أي من يخلق الله فيه الاهتداء فهو المهتدي لدينه بإثبات الياء وصلا ووقفا عند جميع القراء لثبوتها في الرسم بخلاف ما في