الكهف والإسراء (وَمَنْ يُضْلِلْ) أي بأن لم يخلق فيه الاهتداء بل خلق فيه الضلالة لصرف اختياره جهتها (فَأُولئِكَ) الموصوفون بالضلالة (هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٧٨) أي الكاملون في الخسران في الدنيا والآخرة ، فالهداية والضلالة من جهة الله تعالى وإنما العظة والتذكير من قبيل الوسائط العادية في حصول الاهتداء من غير تأثير لها فيه سوى كونها دواعي إلى صرف العبد اختياره جهة تحصيله كسائر أفعال العباد (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) أي خلقنا (لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها) بسبب امتناعهم عن صرفها إلى تحصيل الفهم فلهم وصف أو حال من كثيرا وقلوب فاعل به (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها) شيئا من المبصرات إبصار اعتبار (وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) أي شيئا من المسموعات سماع تأمل فلا يفهمون بقلوبهم ولا يبصرون بأعينهم ولا يسمعون بآذانهم ما يرجع إلى مصالح الدين (أُولئِكَ) أي الموصوفون بالأوصاف المذكورة (كَالْأَنْعامِ) في انتفاء الشعور (بَلْ هُمْ أَضَلُ) من الأنعام لأنها تعرف صاحبها وتطيعه ، وهؤلاء الكفار لا يعرفون ربهم ولا يطيعونه ، وفي الخبر : «كل شيء أطوع لله من ابن آدم» (أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (١٧٩) عمّا أعد الله لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أي الأسماء التي هي أحسن الأسماء وأجلها لدلالتها على أحسن المعاني وأشرفها (فَادْعُوهُ بِها) أي فسموه بتلك الأسماء (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) أي واجتنبوا الذين يميلون في شأن أسماء الله تعالى عن الحق إلى الباطل إما بأن يسموه تعالى بما لا إذن فيه من كتاب وسنة ، أو بما يوهم معنى فاسدا فلا يجوز أن يقال لله تعالى : يا سخي ولا يا عاقل ، ولا يا طبيب ، ولا يا فقيه ، ولا يجوز أن يقال لله تعالى : يا نجي ، يا أبا المكارم ، يا أبيض الوجه ، لأن أسماء الله تعالى توقيفية أي تعليمية من الشرع لا اصطلاحية ، وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) يدل على أن الإنسان لا يدعو ربه إلا بتلك الأسماء الحسنى وهذه الدعوة لا تتأتى إلا إذا عرف معاني تلك الأسماء ، وعرف بالدليل أن له إلها وربا خالقا موصوفا بتلك الصفات الشريفة فإذا عرف بالدليل ذلك فحينئذ يحسن أن يدعو ربه بتلك الأسماء والصفات ، ثم إنّ لتلك الدعوة شرائط كثيرة منها أن يستحضر الأمرين عزة الربوبية ، وذلة العبودية فهناك يحسن ذلك الدعاء ويعظم موقع ذلك الذكر. وقرأ حمزة يلحدون بفتح الياء والحاء ووافقه عاصم والكسائي في النحل (سَيُجْزَوْنَ) في الآخرة (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٨٠) وهذا تهديد لمن ألحد في أسماء الله تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ) أي طائفة كثيرة (يَهْدُونَ بِالْحَقِ) أي يهدون الناس ملتبسين بالحق ويدلونهم على الاستقامة (وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (١٨١) أي وبالحق يحكمون في الحكومات الجارية فيما بينهم ولا يجورون فيها (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (١٨٢) أي والذين كذبوا بآياتنا التي هي معيار الحق وهو القرآن ، سنقربهم إلى ما يهلكهم ونضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون ما يراد به وذلك لأنهم كما أوتوا بجرم فتح الله عليهم بابا من أبواب النعمة والخير في الدنيا فيزدادون بطرا وانهماكا