(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ).
قال الحسن ومجاهد والسدي : وهذا خطاب للكفار على سبيل التهكم بهم. وقال السدي : إن المشركين لما أرادوا الخروج إلى بدر أخذوا أستار الكعبة وقالوا : اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين ، وأكرم الحزبين ، وأفضل الدينين. والمعنى إن تستنصروا أيها الكفار لأعلى الجندين فقد جاءكم النصر لأعلاهما وقد زعمتم أنكم الأعلى فالتهكم في المجيء أو فقد جاءكم الهزيمة ، فالتهكم في نفس الفتح ، وإن تنتهوا عن قتال الرسول وعداوته وتكذيبه فهو خير لكم في الدين بالخلاص من العقاب. والفوز بالثواب ، وفي الدنيا بالخلاص من القتل والأسر والنهب ، وإن تعودوا إلى القتال نعد إلى تسليط المسلمين على قتلكم ولن تدفع عنكم جماعتكم شيئا من الضرر ولو كثرت. وقيل : هذا خطاب للمؤمنين ، والمعنى إن تستنصروا أيها المؤمنون فقد جاءكم النصر وإن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال وعن طلب الفداء على الأسرى فهو خير لكم ، وإن تعودوا إلى تلك المنازعة نعد إلى ترك نصرتكم ثم لا تنفعكم كثرتكم (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٩).
قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم «وأن» بفتح الهمزة وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي والأمر أن الله مع الكاملين في الإيمان (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في الإجابة إلى الجهاد وإلى ترك المال إذا أمره بتركه (وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ) أي ولا تعرضوا عن الرسول أي عن قبول قوله وعن معونته في الجهاد (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) (٢٠) دعاءه إلى الجهاد (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا) بألسنتهم (سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٢١) أي إنا قبلنا تكاليف الله تعالى ، والحال أنهم بقلوبهم لا يقبلونها (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (٢٢) أي إن شر كل حيوان في حكم الله تعالى من لا يسمع الحق ولا ينطق به ولا يفقه أمر الله تعالى.
قال ابن عباس : هم نفر من بني عبد الدار بن قصي كانوا يقولون : نحن صم بكم عمي عما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، فقتلوا جميعا يوم بدر وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلا رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) أي ولو حصل في بني عبد الدار خير لأسمعهم الله الحجج والمواعظ سماع تفهم (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) بعد أن علم أنه لا خير فيهم (لَتَوَلَّوْا) عنها ولم ينتفعوا بها (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣) أي والحال أنهم مكذبون بها. قيل : إن الكفار سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحيى لهم قصي بن كلاب وغيره من أمواتهم ليخبروهم بصحة نبوته صلىاللهعليهوسلم فبين الله تعالى أنه لو علم فيهم خيرا وهو انتفاعهم بقول هؤلاء الأموات لأحياهم الله تعالى حتى يسمعوا كلامهم ولكنه تعالى علم منهم أنهم لا يقولون : أحي لنا قصيا فإنه كان شيخا مباركا حتى يشهد لك بالنبوة فنؤمن بك إلا على سبيل العناد والتعنت وإنه لو أسمعهم الله كلام