قصي وغيره لتولوا عن قبول الحق على أدبارهم ولأعرضوا عما سمعوه بقلوبهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) أي أجيبوا الله والرسول بحسن الطاعة إذا دعاكم الرسول إلى ما فيه سبب حياتكم الأبدية من الإيمان أو القرآن أو الجهاد.
وروى أبو هريرة رضياللهعنه : أن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم مرّ على باب أبي بن كعب وهو في الصلاة ، فدعاه ، فعجل في صلاته ، ثم جاء فقال صلىاللهعليهوسلم له : «ما منعك عن إجابتي؟» قال : كنت في الصلاة ، قال : «ألم تخبر فيما أوحي إلي (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)» (١) فقال : لا جرم لا تدعوني إلا أجيبك (وَاعْلَمُوا) يا معشر المؤمنين (أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) أي يحول بين المرء وبين ما يريده بقلبه فإن الأجل يحول دون الأمل ، فكأنه قال تعالى : بادروا إلى الأعمال الصالحة ولا تعتمدوا على ما يقع في قلوبكم من توقع طول البقاء فإن ذلك غير موثوق به.
وقال مجاهد : المراد من القلب هنا العقل ، أي فإن الله يحول بين المرء وعقله ، والمعنى فبادروا إلى الأعمال وأنتم تعقلون فإنكم لا تأمنون زوال العقل والله يحول بين المرء والكافر وطاعته ويحول بين المرء المطيع ومعصيته والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر أن يقول : «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (٢) ولا يستطيع المرء أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه تعالى (وَأَنَّهُ) أي واعلموا أن الشأن (إِلَيْهِ) أي الله تعالى (تُحْشَرُونَ) (٢٤) في الآخرة فيجزيكم بحسب مراتب أعمالكم فسارعوا إلى طاعة الله ورسوله (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) أي واحذروا فتنة إن نزلت بكم لم تقتصروا على الظالمين خاصّة بل تتعدى إليكم جميعا وتصل إلى الصالح والطالح ، وحذر تلك الفتنة بالنهي عن المنكر فالواجب على كل من رآه أن يزيله إذا كان قادرا على ذلك فإذا سكت عليه فكلهم عصاة هذا بفعله وهذا برضاه وقد جعل الله تعالى الراضي بمنزلة العامل فانتظم في العقوبة.
وعلامة الرضا بالمنكر : عدم التألم من الخلل الذي يقع في الدين بفعل المعاصي فلا يتحقق كون الإنسان كارها له إلا إذا تألم له تألمه لفقد ماله أو ولده فكل من لم يكن بهذه الحالة فهو راض بالمنكر فتعمه العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢٥) ولذلك يصيب بالعذاب من لم يباشر سببه ، والمعنى الزموا الاستقامة خوفا من عذاب الله تعالى (وَاذْكُرُوا) يا معشر المهاجرين (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) في العدد في أول الإسلام (مُسْتَضْعَفُونَ فِي
__________________
(١) رواه ابن حجر في فتح الباري (٨ : ٣٠٧).
(٢) رواه الترمذي في كتاب الدعوات ، باب : ٨٩ ، وابن ماجة في كتاب الدعاء ، باب : دعاء الرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأحمد في (م ٤ / ص ١٨٢).