الْأَرْضِ) أي مقهورون في أرض مكة (تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) تخافون إذا خرجتم من البلد أن تأخذكم مشركو العرب بسرعة لشدة عداوتهم لكم ولقربهم منكم (فَآواكُمْ) أي نقلكم إلى المدينة فصرتم آمنين من كفار مكة (وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) أي قواكم بنصرته يوم بدر (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من الغنائم وهي كانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢٦) هذه النعم العظيمة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) في الدين وفي الإشارة إلى بني قريظة أن لا تنزلوا على حكم سعد بن معاذ (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) فيما بينكم (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢٧) أن ما وقع منكم خيانة.
روي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاصر يهود بني قريظة خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار فسألوه صلىاللهعليهوسلم الصلح كما صالح بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم في أذرعات وأريحا من الشام ، فأبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يعطيهم ذلك إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فأبوا وقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة وهو رفاعة بن عبد المنذر نستشيره في أمرنا وكان مناصحا لهم لأن ماله وعياله عندهم ، فأرسله إليهم فقالوا : يا أبا لبابة ما ترى لنا أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه أي حكم سعد هو القتل فلا تفعلوا فكان منه خيانة لله ورسوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أي محنة من الله تعالى ليبلوكم فيهم فلا يحملنكم حبهم على الخيانة كأبي لبابة لأنه يشغل القلب بالدنيا ويصيّره حجابا عن خدمة المولى (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٢٨) فإن سعادات الآخرة خير من سعادات الدنيا لأنها أعظم في الشرف وفي المدة لأنها تبقى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) أي نجاة مما تخافون في الدارين (وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي يسترها في الدنيا (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) أي يزلها في الآخرة (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩) على عباده بالمغفرة والجنة (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي واذكر يا أشرف الخلق وقت احتيالهم بك في إيصال الضرر والهلاك (لِيُثْبِتُوكَ) أي ليسجنوك أو ليثبتوك بالوثائق كما قرئ ليقيدوك (أَوْ يَقْتُلُوكَ) بسيوفهم (أَوْ يُخْرِجُوكَ) من مكة (وَيَمْكُرُونَ) أي يريدون هلاكك يا أكرم الرسل (وَيَمْكُرُ اللهُ) أي يرد مكرهم عليهم ، وذلك بأن أخرجهم إلى بدر وقلل المسلمين في أعينهم حتى حملوا عليهم فلقوا ما لقوا (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣٠) أي أقواهم فكل مكر يبطل في مقابلة فعل الله تعالى.
قال المفسرون : إن مشركي قريش عرفوا لما أسلمت الأنصار أن أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم يظهر ، فاجتمع نفر من كبار قريش في دار الندوة. أي في الدار التي يقع فيها الاجتماع للتحدث ورؤوسهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو سفيان وطعيمة بن عدي ، وجبير بن معطم والحرث بن عامر ، والنضر بن الحرث ، وأبو البحتري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، وأبو جهل ، وأمية بن خلف ، ونبيهة ومنبه ابنا الحجاج ودخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال : أنا من أهل