نجد ، وتشاوروا في أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عمرو بن هشام : قيدوه وسدوا باب البيت غير كوة تلقون إليه طعامه وشرابه حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء. فقال إبليس : لا مصلحة فيه لأنه يغضب له قومه فنسفك فيه الدماء. فقال أبو البحتري بن هشام : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه لكم ، فقال إبليس : لا مصلحة فيه لأنه يجمع طائفة على نفسه ويقاتلكم بهم ، وقال أبو جهل : الرأي أن نجمع من كل قبيلة رجلا فيضربوه بأسيافهم ضربة واحدة فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على محاربة قريش كلها ، فيرضون بأخذ الدية. فقال إبليس : هذا هو الرأي الصواب. فأوحى الله تعالى إلى نبيه بذلك وأمره أن لا يبيت في مضجعه ، وأذن له في الهجرة إلى المدينة ، وأمر عليا أن يبيت في مضجعه وقال له : تسج ببردتي فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه وهم المشركون بالولوج عليه صلىاللهعليهوسلم فصاحت امرأة من الدار فقال بعضهم لبعض : إنها لسبة في العرب أن يتحدثوا عنا أنا تسورنا الحيطان على بنات العم وهتكنا سر حرمتنا ، وباتوا مترصدين على الباب ، ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الباب وأخذ تعالى أبصارهم عنه فأخذ قبضة من تراب ونثره على رؤوسهم كلهم ومضى هو وأبو بكر إلى الغار ، فلما أصبحوا ساروا إلى مضجعه صلىاللهعليهوسلم فأبصروا عليا فقالوا له : وأين صاحبك؟ فقال : لا أدري. فاقتصوا أثره ، فلما بلغوا الغار رأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا : لو دخله لم تنسج العنكبوت على بابه فمكث فيه ثلاثا من الليالي ثم قدم المدينة (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) أي القرآن (قالُوا قَدْ سَمِعْنا) ما قال محمد صلىاللهعليهوسلم (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (٣١) أي ما هذا القرآن إلا ما كتب الأولون من القصص.
روي أن النضر بن الحرث خرج إلى الحيرة بلدة بقرى الكوفة تاجرا ، واشترى أحاديث كليلة ودمنة وكان يقعد مع المستهزئين وهو منهم فيقرأ عليهم أساطير الأولين ، كالفرس والروم وكان يزعم أنها مثل ما يذكره محمد من قصص الأولين وإسناد القول إلى الكل مع أن القائل هو النضر لما أنه كان رئيسهم وقاضيهم وهو الذي يقولون بقوله ويأخذون برأيه. (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا) أي الذي يقوله محمد صلىاللهعليهوسلم (هُوَ الْحَقَ) بالنصب خبر كان ودخلت هو للفصل (مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) عقوبة على إنكارنا (أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٢) غير الحجارة قاله النضر استهزاء وقد أسره المقداد يوم بدر فقتله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أو قاله أبو جهل وقد ذبحه ابن مسعود يوم بدر (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) أي لا يفعل الله بهؤلاء الكفار عذاب الاستئصال ما دام سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم حاضرا معهم تعظيما له ، وأيضا إن عادة الله مع جميع الأنبياء المتقدمين لم يعذب أهل قرية إلا بعد أن يخرج رسولهم منها كما كان في حق هود وصالح ولوط (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) أي وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفيهم مؤمنون يستغفرون لأنه صلىاللهعليهوسلم لما خرج من مكة بقي فيها من لم يستطع الهجرة من مكة من المسلمين (وَما