على نصر القليل على الكثير (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا) وهو بدل ثان من يوم الفرقان أي إذ أنتم كائنون في شط الوادي القربى من المدينة (وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى) أي والمشركون في شفير الوادي البعدي منها (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) أي العير التي خرجوا لها التي يقودها أبو سفيان وأصحابه كائنون بمكان أسفل منكم على ساحل البحر على ثلاثة أميال من بدر (وَلَوْ تَواعَدْتُمْ) أنتم وأهل مكة على القتال (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ) أي لخالف بعضكم بعضا في الميعاد هيبة منهم لكثرتهم وقلتكم (وَلكِنْ) جمع الله بينكم على هذه الحال بغير ميعاد (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) أي ليمضي أمرا كان مفعولا في علمه وهو النصرة والغنيمة للنبي وأصحابه والهزيمة والقتل لأبي جهل وأصحابه ويكون استيلاء المؤمنين على المشركين معجزة دالة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) وهو بدل من ليقضي أي ليموت من مات عن بينة عاينها ويعيش من يعيش عن بينة شاهدها لئلا يكون له حجة ومعذرة أو ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح بينة (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ) لدعائكم (عَلِيمٌ) (٤٢) بحاجتكم وضعفكم فأصلح مهمكم (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ) قبل يوم بدر (قَلِيلاً) مع كثرتهم فأخبر بذلك أصحابه فقالوا : رؤيا النبي حق ، فصار بذلك تشجيعا للمؤمنين (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) أي ولو أراك الله المشركين كثيرا لذكرته للقوم ولو سمعوا ذلك لجبنوا (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أي لاختلفتم في أمر القتال ولتفرقت آراؤكم في الفرار والثبات (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) أي سلمكم من المخالفة فيما بينكم (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٤٣) أي بالخطرات التي تقع في القلوب من الصبر والجزع والجراءة والجبن ولذلك دبر ما دبر (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً) أي وإذ يبصركم أيها المؤمنون إياهم قليلا حتى قال ابن مسعود لمن في جنبه : أتراهم سبعين؟ فقال : أراهم مائة ، وهم في نفس الأمر ألف تصديقا لرؤيا الرسول صلىاللهعليهوسلم ولتزداد جراءة المؤمنين عليهم (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) حتى قال أبو جهل : إنما أصحاب محمد أكلة جزور ، أي قليل يشبعهم جزور واحد ، فلا تقتلوهم واربطوهم بالحبال ، وقلل الله عدد المؤمنين في أعين المشركين قبل التحام الحرب لئلا يبالغ الكفار في تحصيل الاستعداد والحذر فيصير ذلك سببا لانكسارهم ، فلما التحم القتال أرى الكفار المسلمين مثلي الكفار ، وكانوا ألفا فرأوا المسلمين قدر ألفين ليهابوا ، وتضعف قلوبهم (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) أي ليصير سببا لاستيلاء المؤمنين عليهم (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٤٤) بالبناء للمفعول أي ترد وللفاعل أي تصير ويصرف الله الأمور كلها كيفما يريد ولا تجري على ما يظنه العبيد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) أي إذا حاربتم جماعة من الكفرة فجدوا في المحاربة ولا تنهزموا (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) بالقلب واللسان في أثناء القتال ومن الذكر ما يقع حال القتال من التكبير (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٤٥) أي تفوزون بمرامكم من النصرة والمثوبة (وَأَطِيعُوا اللهَ