والكفر فقد غيروا نعمة الله تعالى على أنفسهم فاستحقوا تبديل النعم بالنقم والمنح بالمحن (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٥٣) أي وبسبب أنه تعال يسمع ويعلم جميع ما يأتون وما يذرون (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي حتى يغيروا ما بأنفسهم تغييرا كائنا كتغيير الأمم الماضية (كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) أي كذب آل فرعون ومن قبلهم بأنه تعالى رباهم وأنعم عليهم فأنكروا دلائل التربية والإحسان مع كثرتها وتواليها عليهم كما كذب أهل مكة ذلك (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي أهلكنا بعضهم بالرجفة وبعضهم بالخسف ، وبعضهم بالحجارة ، وبعضهم بالريح ، وبعضهم بالمسخ كذلك أهلكنا كفار قريش بالسيف (وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) (٥٤) أي وكل من الفرق المكذبة كانوا ظالمين لأنفسهم بالكفر والمعصية ، ولأنبيائهم بالتكذيب ، ولسائر الناس بالإيذاء والإيحاش ، فالله تعالى إنما أهلكهم بسبب ظلمهم. اللهم أهلك الظالمين وطهر وجه الأرض منهم ، فلا يقدر أحد على دفعهم إلا أنت فادفع يا قهار يا جبار يا منتقم (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٥) أي إن شر الخلق في حكم الله وعلمه الذين أصروا على الكفر فهم لا يرجى منهم إيمان (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) أي من مرات المعاهدة.
قال ابن عباس : هم قريظة ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان عاهد يهود بني قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه فنقضوا العهد وأعانوا عليه مشركي مكة بالسلاح في يوم بدر ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا ، ثم عاهدهم مرة ثانية فنقضوا العهد أيضا ، وساعدوا معهم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الخندق ، وانطلق كعب بن الأشرف إلى مكة فحالفهم على محاربة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) (٥٦) عن نقض العهد (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٥٧) أي إن تظفرن بهؤلاء الكفار الذين ينقضون العهد في أثناء الحرب فافعل بهم فعلا من القتل والتعذيب يفرق بسببهم من خلفهم من أهل مكة واليمن أي إذا فعلت بقريظة العقوبة فرقت شمل قريش إذ يخافون منك أن تفعل بهم مثل ما فعلت بحلفائهم ـ وهم قريظة ـ فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يفرقهم في ذلك الوقت تفريقا عنيفا موجبا للاضطراب (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ) أي وإن تعلمن من قوم من المعاهدين نقض عهد بأمارات ظاهرة فاطرح إليهم عهدهم على طريق ظاهر مستو ، بأن تعلمهم قبل حربك إياهم أنك قطعت ما بينك وبينهم من الوصلة حتى تكون أنت وهم في العلم بنقض العهد سواء ، ولا تبادرهم الحرب وهم على توهّم بقاء العهد فيكون ذلك خيانة منك (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) (٥٨) في العهود. والحاصل إن ظهرت الخيانة بأمارات ظاهرة من غير أمر مستفيض وجب على الإمام أن ينبذ إليهم العهد ويعلمهم الحرب ، وذلك كما في قريظة فإنهم عاهدوا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم عليه صلىاللهعليهوسلم : وأما إذا ظهر نقض العهد ظهورا مقطوعا به فلا حاجة للإمام إلى نبذ العهد