قوم تكبرهم شديد حتى لو لطم رجل من قبيلة لطمة قاتل عنه قبيلته حتى يدركوا ثاره ثم إنهم انقلبوا عن تلك الحالة حتى قاتل الرجل أخاه وأباه وابنه ، واتفقوا على الطاعة وصاروا أنصارا. وأيضا كانت الخصومة بين الأوس والخزرج شديدة ، والمحاربة دائمة ، ثم زالت الضغائن وحصلت الألفة ـ فإزالة تلك العداوة الشديدة وتبديلها بالمحبة القوية مما لا يقدر عليها إلا الله تعالى ـ وصارت تلك معجزة ظاهرة على صدق نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم. (إِنَّهُ) تعالى (عَزِيزٌ) أي قاهر يقلب القلوب من العداوة إلى الصداقة (حَكِيمٌ) (٦٣) أي يفعل ما يفعله مطابقا للمصلحة (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤) أي كفاك الله وكفى أتباعك ناصرا. أو المعنى كفاك الله والمؤمنون. وهذه الآية نزلت في البيداء في غزوة بدر قبل القتال ، فالمراد بالمؤمنين هنا أهل غزوة بدر وهم المهاجرون والأنصار.
وقيل : نزلت في إسلام عمر بن الخطاب. قال سعيد بن جبير : أسلم مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة ، ثم أسلم عمر رضياللهعنه فنزلت هذه الآية ، فعلى هذا القول تكون الآية مكية كتبت في سورة مدنية بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ) أي بالغ في حثّهم عليه (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) أي إن يكن منكم عشرون فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتى يغلبوا مائتين (وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وإنما وجب هذا الحكم عند حصول هذه الشروط : منها : أن يكون المؤمن شديد الأعضاء قويا جلدا. ومنها : أن يكون قوي القلب شديد البأس ، شجاعا غير جبان. ومنها : أن يكون غير متحرف لقتال أو متحيزا إلى فئة ، فعند حصول هذه الشروط وجب على الواحد أن يثبت للعشرة (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (٦٥) متعلق بيغلبوا في الموضعين أي بسبب أنهم قوم جهلة بالله تعالى وباليوم الآخر لا يقاتلون امتثالا لأمر الله تعالى وإعلاء لكلمته وابتغاء لمرضاته ، وإنما يقاتلون للحمية الجاهلية ، وإثارة العدوان. وهم يعتمدون على قوتهم ، والمسلمون يستعينون بربهم بالتضرع ومن كان كذلك كان النصر أليق به (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) في البدن أو في معرفة القتال لا في الدين (فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) أي بإرادته. وهذه الآية دلت على أن ذلك الشرط مفقود في حق هذه الجماعة فلم يثبت ذلك الحكم. وعلى هذا التقدير لم يحصل النسخ ألبتة ، فقد أنكر أبو مسلم الأصفهاني النسخ. (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٦٦) أي إن العشرين إن قدروا على مصابرة المائتين بقي ذلك الحكم ، وإن لم يقدروا على مصابرتهم ، فالحكم المذكور هناك زائل ، وهذا يدل على صحة مذهب أبي مسلم (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي ما ينبغي لنبي أن يكون له أسرى من الكفار حتى يقوى ويغلب بل اللائق قتلهم (تُرِيدُونَ) أيها المؤمنون (عَرَضَ الدُّنْيا) أي متاع الدنيا الذي هو الفداء (وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي إنما يرضى الله ما يفضي إلى