بين المسلمين ومن قطع المحبة بينهم وبين الكفار تحصل فتنة في الأرض ومفسدة عظيمة فإن المسلمين لو اختلطوا بالكفار في زمان ضعف المسلمين وقلة عددهم وزمان قوة الكفار وكثرة عددهم ، فربما صارت تلك المخالطة سببا لالتحاق المسلم بالكفار ، وأن المسلمين لو كانوا متفرقين لم يظهر منهم جمع عظيم فيصير ذلك سببا لجراءة الكفار عليهم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) فالله تعالى ذكرهم أولا لتبيين حكمهم وهو إكرام بعضهم بعضا ، ثم ذكرهم ها هنا لبيان تعظيم شأنهم وعلو درجتهم ، وأثنى عليهم من ثلاثة أوجه وهي : وصفهم بكونهم محقين محققين في طريق الدين لأن من لم يكن محقا في دينه لم يفارق الأهل والوطن ولم يبذل النفس والمال ، ولم يكن في هذه الأحوال من المتسارعين (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) تامة عن جميع الذنوب والتبعات (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٧٤) ثواب حسن في الجنة (وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ) أي بعد الهجرة الأولى وهؤلاء هم التابعون بإحسان (وَهاجَرُوا) من مكة إلى المدينة بعد المهاجرين الأولين (وَجاهَدُوا مَعَكُمْ) في بعض مغازيكم (فَأُولئِكَ مِنْكُمْ) أي من جملتكم أيها المهاجرون والأنصار في السر والعلانية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) أي ذوو القرابات (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) آخر منهم في التوارث من الأجانب (فِي كِتابِ اللهِ) أي في حكم الله الذي بينه في كتابه بالسهام المذكورة في سورة النساء (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٧٥) فالعالم بجميع المعلومات لا يحكم إلا بالصواب.