المراد لا ينصرف عنه أحد إلا وهو يتمنى العود إليه كما قاله ابن عباس ومجاهد. أو المعنى جعلنا الكعبة موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره (وَأَمْناً) أي موضع أمن لمن يسكنه ويلجأ إليه من الأعداء والخسف والمسخ أو آمنا من حجه من عذاب الآخرة من حيث إن الحج يجب ما قبله وحمل بعضهم هذه الكلمة على الأمر على سبيل التأويل. والمعنى أن الله تعالى أمر الناس بأن يجعلوا ذلك الموضوع آمنا من الغارة والقتل فكان البيت محترما بحكم الله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى).
روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن إبراهيم عليهالسلام كان يبني البيت وإسماعيل يناوله الحجارة ، ويقولان : ربنا نقبل منا إنك أنت السميع العليم فلما ارتفع البنيان وضعف إبراهيم عن وضع الحجارة قام على حجر وهو مقام إبراهيم عليهالسلام. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وعاصم والكسائي و «اتخذوا» بكسر الخاء على صيغة الأمر.
قال قتادة والسدي : أمروا أن يصلوا عنده وعلى هذا فهذه الجملة كلام اعترض في خلال ذكر قصة إبراهيم عليهالسلام فكأنه تعالى قال : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا ـ أنتم يا أمة محمد ـ من مقام إبراهيم مصلى. والتقدير أنا لما شرفناه ووصفناه بكونه مثابة للناس وأمنا فاتخذوه قبلة لأنفسكم. وقرأ نافع وابن عامر «واتخذوا» بفتح الخاء على صيغة الماضي فهو إخبار عن ولد إبراهيم إنهم اتخذوا من مقامه مصلى. (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) أي أمرناهما (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ) أي بأن أسساه على التقوى. وقيل : معناه عرّفا الناس أن بيتي طهرة لهم متى حجوه وزاروه وأقاموا فيه (لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (١٢٥) جمع راكع وساجد. فالمراد بالطائفين : من يقصد البيت حاجا أو معتمرا فيطوف به. وبالعاكفين : من يقيم هناك ويجاور. وبالركع السجود : من يصلي هناك. قال عطاء : فإذا كان الشخص طائفا فهو من الطائفين ، وإذا كان جالسا فهو من العاكفين ، وإذا كان مصليا فهو من الركع السجود ثم إذا فسرنا الطائفين بالغرباء فحينئذ تدل الآية على أن الطواف للغرباء أفضل من الصلاة.
روي عن ابن عباس ومجاهد وعطاء أن الطواف لأهل الأمصار أفضل والصلاة لأهل مكة أفضل. (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا) الحرم (بَلَداً آمِناً) أي كثيرا لخصب فإن الدنيا إذا طلبت ليتقوى بها على الدين كان ذلك من أعظم أركان الدين فإذا كان البلد آمنا وحصل فيه الخصب تفرغ أهله لطاعة الله تعالى وأيضا إن الخصب مما يدعو الإنسان إلى تلك البلدة فهو سبب اتصاله في الطاعة (وَارْزُقْ أَهْلَهُ) أي الحرم (مِنَ الثَّمَراتِ) وقد حصل في مكة الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد.
روي أن الطائف كانت من مدائن الشام في أردن فلما دعا إبراهيم بهذا الدعاء أمر الله تعالى