كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣٣) ذلك الإظهار والوصف بالشرك بعد الوصف بالكفر للدلالة على أنهم ضموا الكفر بالرسول إلى الكفر بالله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ) أي علماء اليهود (وَالرُّهْبانِ) أي علماء النصارى (لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي ليأخذون الأموال من سفلتهم بطريق الرشوة في تخفيف الأحكام والمسامحة في الشرائع (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي لأنهم يمنعون عن متابعة الأخيار من الخلق والعلماء في ذلك في الزمان في المسلك المقرر في التوراة والإنجيل ، وفي زمان محمد صلىاللهعليهوسلم كانوا يبالغون في المنع عن متابعته صلىاللهعليهوسلم في منهجه الصحيح بجميع وجوه المكر والخداع (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) أي يجمعونهما (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) أي ولا يخرجون من حملة كل واحد منهما سواء كانت آنية أو دنانير ودراهم ما وجب إخراجه عن تلك الجملة من الزكاة والكفارات ونفقة الحج والجمعة ، ومما يجب إخراجه في الدين والحقوق ونفقة الأهل والعيال وضمان المتلفات وأروش الجنايات (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣٤) أي فأخبرهم يا أشرف الخلق بعذاب أليم هو مذكور في قوله تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ) أي يوم توقد على تلك الأموال التي هي الذهب والفضة نار ذات حرّ شديد في نار جهنم (فَتُكْوى بِها) أي فتحرق بتلك الأموال (جِباهُهُمْ) أي جهة أمامهم كلها (وَجُنُوبُهُمْ) من اليمين واليسار (وَظُهُورُهُمْ) يقال لهم : (هذا) أي الكي (ما كَنَزْتُمْ) أي جزاء ما جمعتم من الأموال (لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (٣٥) أي فذوقوا جزاء ما كنتم تمنعون حقوق الله تعالى في أموالكم (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ) القمرية التي تؤدى فيها الزكاة وعليها يدور فلك الأحكام الشرعية (عِنْدَ اللهِ) أي في حكمه (اثْنا عَشَرَ شَهْراً) وأيام هذه الشهور ثلاثمائة وخمسة وخمسون يوما ، والسنة الشمسية ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم ، فتنقص السنة الهلالية عن السنة الشمسية عشرة أيام وربع يوم ، فبسبب هذا النقصان تنتقل الشهور القمرية من فصل إلى فصل آخر فيقع الصوم والحج تارة في الشتاء وتارة في الصيف (فِي كِتابِ اللهِ) أي في اللوح المحفوظ (يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وهذه الظروف الثلاثة أبدل البعض من البعض ، والتقدير أن عدة الشهور اثنا عشر شهرا عند الله في كتاب الله يوم خلق السموات ، أي منذ خلق الله الإحرام والأزمنة أي إن ذلك العدد ثابت في علم الله وفي كتاب الله من أول ما خلق الله تعالى العالم (مِنْها) أي من تلك الشهور الاثني عشر (أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) هي ذو القعدة ، وذو الحجة والمحرم ورجب (ذلِكَ) أي عدة الشهور (الدِّينُ الْقَيِّمُ) أي الحساب الصحيح (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَ) أي في الأربعة الحرم (أَنْفُسَكُمْ) بإتيان المعاصي فإنه أعظم وزرا كإتيانها في الحرم.
وقال ابن عباس : فلا تظلموا في الشهور الاثني عشر أنفسكم ، وذلك منع الإنسان عن إتيان الفساد في جميع العمر (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) أي قاتلوا