المشركين بأجمعكم مجتمعين على قتالهم في جميع الأشهر كما إنهم يقاتلونكم على هذه الصفة وكونوا عباد الله متوفقين في مقاتلة الأعداء (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (٣٦) أي مع أوليائه الذين يخشونه في أداء الطاعات واجتناب المحرمات (إِنَّمَا النَّسِيءُ) أي إنما تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) لأن ضم هذا العمل إلى الأنواع المتقدمة من الكفر زيادة في الكفر (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا).
قرأ حفص وحمزة والكسائي «يضل» بالبناء للمفعول. والباقون بفتح الياء على البناء للفاعل. وقرأ أبو عمرو في رواية من طريق ابن مقسم ويعقوب من العشرة بضم الياء وكسر الضاد. والمعنى حينئذ يضل بهذا التأخير الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأقوالهم (يُحِلُّونَهُ عاماً) أي يحلون التأخير عاما وهو العام الذي يريدون أن يقاتلوا في المحرم (وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) أي ويحرمون التأخير عاما آخر ، وهو العام الذي يتركون المحرم على تحريمه. وسبب هذا التأخير أن العرب كانت تعظم الأشهر الأربعة وكان ذلك شريعة ثابتة من زمان إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام وكانت عامة معايشهم من الصيد والغارة والحروب فشق عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية وقالوا : إن توالت ثلاثة أشهر حرم لا نصيب فيها شيئا لهلكنا وكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم (لِيُواطِؤُا) أي ليوافقوا (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) من الأشهر الأربعة (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) بخصوصه.
قال ابن عباس رضياللهعنهما : إنهم ما أحلوا شهرا من الحرام إلا حرموا مكانه شهرا من الحلال ، ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة مطابقة لما ذكره الله تعالى.
قال الكلبي : أول من فعل ذلك رجل من كنانة يقال له : نعيم بن ثعلبة وكان يقوم ويخطب في الموسم ويقول : إن صفر العام حرام فإذا قال ذلك حلوا الأوتار ونزعوا الأسنة والأزجة ، وإن قال : حلال ، عقدوا الأوتار وشدوا الأزجة وأغاروا. وقيل : هو جنادة بن عوف الكناني وكان مطاعا في الجاهلية كان يقول على جمل في الموسم بأعلى صوته : إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه ، ثم يقوم في العام القابل فيقول : إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه وقيل : هو رجل من كنانة يقال له : القلمس قال قائلهم :
ومنا ناسئ الشهر قلمس
وعن ابن عباس رضياللهعنهما : أول من سن النسيء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ). قال ابن عباس : أي زين الشيطان لهم هذا العمل حتى حسبوا هذا