القبيح حسنا (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٣٧) أي لا يرشدهم إلى دينه لما سبق لهم في الأزل أنهم من أهل النار (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) أي أيّ شيء ثبت لكم من الأعذار حال كونكم متثاقلين ومشتهين الإقامة في أرضكم في وقت قول الرسول لكم : أخرجوا إلى الغزو في طاعة الله.
روي أن هذه الآية نزلت في غزوة تبوك مكان على طرف الشام بينه وبين المدينة أربع عشرة مرحلة ويقال لها : غزوة العسر وغزوة الفاضحة ، وكانت في رجب في السنة التاسعة من الهجرة بعد رجوعه صلىاللهعليهوسلم من الطائف إلى المدينة ، وسببها ما بلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أن هرقل جمع أهل الروم وأهل الشام وإنهم قدموا مقدماتهم إلى البلقاء ، فأمر صلىاللهعليهوسلم أصحابه بالجهاد وبعث إلى مكة وقبائل العرب وحضّ أهل الغنى على النفقة والحمل في سبيل الله ، وهي آخر غزواته فجهز عثمان عشرة آلاف ، وأنفق عليها عشرة آلاف دينار غير الإبل والخيل وهي : تسعمائة بعير ومائة فرس ، وغير الزاد وما يتعلق بذلك ، وأول من جاء بالنفقة : أبو بكر فجاء بجميع ماله أربعة آلاف درهم ، وجاء عمر بنصف ماله ، وجاء ابن عوف بمائة أوقية ، وجاء العباس بمال كثير ، وكذا طلحة والأغنياء. وبعثت النساء بكل ما يقدرن عليه من حليهن. فلما تجهز رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالناس وهم ثلاثون ألفا وكانت الخيل عشرة آلاف فرس خلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري وتخلف عبد الله بن أبي ومن كان معه من المنافقين بعد أن خرجوا إلى ثنية الوداع وكان من تخلف عشر قبائل وإنما تباطأ الناس في خروجهم للقتال لشدة الزمان في قحط وضيق عيش ، ولبعد المسافة والحاجة إلى الاستعداد الزائد على ما جرت به العادة في سائر الغزوات ولشدة الحر في ذلك الوقت ، ولمهابة عسكر الروم ، ولإدراك الثمار في المدينة في ذلك الوقت فاقتضى اجتماع هذه الأسباب تثاقل الناس عن ذلك الغزو (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) وغرورها (مِنَ الْآخِرَةِ) أي بدل نعيم الآخرة (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (٣٨) أي فما التمتع بلذائذ الدنيا في مقابلة نعيم الآخرة إلا قليل لأن سعادة الدنيا بالنسبة إلى سعادة الآخرة كالقطرة في البحر ، وترك الخير الكثير لأجل السرور القليل سفه (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ) الله (عَذاباً أَلِيماً) أي إن لم تخرجوا إلى ما طلب الخروج منكم إليه يهلككم الله بسبب فظيع هائل كقحط ونحوه (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي يأتي بعد إهلاككم بدلكم بقوم مطيعين مؤثرين للآخرة على الدنيا كأهل اليمن وأبناء فارس (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) أي لا يضر الله جلوسكم شيئا لأنه غني عن العالمين أو لا يضر الرسول تثاقلكم في نصرة دينه أصلا ، لأن الله عصمه من الناس (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٩) فيقدر على نصر نبيه ودينه ولو من غير واسطة (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي إن لم تنصروا محمدا فسينصره الله الذي قد نصره حين لم يكن معه إلا