رجل واحد إذ جعله كفار مكة مثل المضطر إلى الخروج حيث أذن له صلىاللهعليهوسلم في الخروج حين هموا بقتله حال كونه أحد اثنين ، والآخر أبو بكر الصديق إذ هما في غار جبل ثور إذ يقول محمد صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر الصديق : «لا تحزن إن الله معيننا» (١) وكان الصديق قد حزن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا على نفسه فقال له : يا رسول الله إذا مت أنا فأنا رجل واحد وإذا مت أنت هلكت الأمة والدين.
روي أن قريشا ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمره الله تعالى أن يخرج أول الليل إلى الغار ، وخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار ، وأمر صلىاللهعليهوسلم عليا أن يضطجع على فراشه ليمنع السواد من طلبه حتى يبلغ إلى ما أمر الله به ، فلما وصل إلى الغار دخل أبو بكر فيه أولا يلتمس ما فيه فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ما لك؟» فقال : بأبي أنت وأمي ، الغار مأوى السباع والهوام فإن كان فيه شيء كان بي لا بك ، وكان في الغار جحر فوضع عقبه عليه لئلا يخرج ما يؤذي الرسول فلما طلب المشركون الأثر وقربوا بكى أبو بكر خوفا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال صلىاللهعليهوسلم : «لا تحزن إن الله معنا بنصره» (٢). فجعل يمسح الدموع عن خده.
وروي لما دخلا الغار بعث الله تعالى حمامتين فباضتا في أسفله ، والعنكبوت نسجت عليه فقال صلىاللهعليهوسلم : «اللهم أعم أبصارهم» (٣) فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحدا (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) أي أمنته التي تسكن عندها القلوب (عَلَيْهِ) أي على صاحبه صلىاللهعليهوسلم أبي بكر الصدّيق (وَأَيَّدَهُ) أي أعانه صلىاللهعليهوسلم (بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) وهم الملائكة النازلون يوم بدر والأحزاب وحنين وهذه الجملة معطوفة على جملة «نصره الله» (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) أي جعل الله يوم بدر كلمة الشرك سافلة حقيرة (وَكَلِمَةُ اللهِ) أي قوله لا إله إلا الله (هِيَ الْعُلْيا) أي الغالبة الظاهرة (وَاللهُ عَزِيزٌ) أي قاهر غالب (حَكِيمٌ) (٤٠) أي لا يفعل إلا الصواب (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) أي اخرجوا مع نبيكم إلى غزوة تبوك خفافا في الخروج لنشاطكم له وثقالا عنه لمشقته عليكم (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي جاهدوا في طاعة الله بما أمكن لكم إما بكليهما أو بأحدهما (ذلِكُمْ) أي الجهاد (خَيْرٌ لَكُمْ) أي خير عظيم في نفسه لكم (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤١) أن الجهاد خير فبادروا إليه (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ) أي لو كان ما دعوا إليه متاعا قريب المنال سهل المأخذ وسفرا متوسطا بين
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، باب : مناقب المهاجرين وفضلهم إلخ ، ومسلم في كتاب الزهد ، باب : ٧٥ ، وأحمد في (م ١ / ص ٣) وفيه «معنا» بدل «معيننا».
(٢) رواه البخاري في كتاب أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، باب : مناقب المهاجرين وفضلهم إلخ ، ومسلم في كتاب الزهد ، باب : ٧٥ ، وأحمد في (م ١ / ص ٣).
(٣) رواه ابن حجر في الكاف والشاف في تخريج أحاديث الكشاف (٧٦).