القريب والبعيد لاتبعوك في الخروج إلى تبوك طمعا في تلك المنافع (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) أي المسافة التي تقطع بمشقة فتخلفوا عن الجهاد بسبب إنهم كانوا يستعظمون غزو الروم فكانوا كالآيسين من الفوز بالغنيمة (وَسَيَحْلِفُونَ) أي المتخلفون عن الغزو عند رجوعك من تبوك وهم عبد الله بن أبي ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير وأصحابهم قائلين (بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا) بالزاد والراحلة (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) إلى غزوة تبوك (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بسبب الحلف الكاذب فإن الأيمان الكاذبة توجب الهلاك ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع». (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٤٢) في أيمانهم لأنهم كانوا مستطيعين الخروج (عَفَا اللهُ عَنْكَ) يا أشرف الخلق ما وقع منك من ترك الأولى والأكمل (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) أي لأي سبب أذنت لهم في التخلف (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) في اعتذارهم بعدم الاستطاعة من جهة المال أو من جهة البدن (وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٤٣).
في ذلك قال ابن عباس : لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرف المنافقين يومئذ حتى نزلت سورة براءة (لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) أي ليس من عادة المؤمنين الخلص أن يستأذنوك في أن يجاهدوا فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف عنه ، وكان الأكابر من المهاجرين والأنصار يقولون : لا نستأذن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في الجهاد فإن ربنا ندبنا إليه مرة بعد أخرى ، فأي فائدة في الاستئذان ولنجاهد معه بأموالنا وأنفسنا ، وكانوا بحيث لو أمرهم الرسول بالقعود لشق عليهم ذلك (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (٤٤) الذين يسارعون إلى طاعته (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي إنما يستأذنك يا أشرف الخلق في التخلف عن الجهاد من غير عذر المنافقون فإنهم لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ) أي شكت قلوبهم في الدين (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٤٥) أي فهم حال كونهم في شكهم المستقر في قلوبهم يتحيرون لا مع الكفار ولا مع المؤمنين (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) إلى الغزو معك (لَأَعَدُّوا لَهُ) أي للخروج (عُدَّةً) أي أهبة من الزاد والراحلة والسلاح (وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ) أي ولكن لم يرض الله نهوضهم للخروج معك (فَثَبَّطَهُمْ) أي حبسهم بالكسل (وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ) (٤٦) أي تخلفوا مع المتخلفين والقائل الشيطان بوسوسته أو بعضهم لبعض ، أو هو أمر النّبيّ بذلك أمر توبيخ أو ألقاه الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم فلا قول بالفعل لا من الله ولا من النّبيّ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ) أي معكم (ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً) أي فسادا (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ) أي ولساروا على الإبل وسطكم ولأسرعوا بينكم بالنمائم (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) أي يطلبون لكم ما تفتنون به بإلقاء الرعب في قلوبكم وبإفساد نياتكم (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي فيكم قوم ضعفة يسمعون للمنافقين (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٤٧) لأنفسهم بسبب نفاقهم ولغيرهم بسبب أنهم سعوا في إلقاء غيره في وجوه الآفات (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ) أي من