قبل واقعة تبوك كما فعل عبد الله بن أبي يوم أحد حيث انصرف مع أصحابه عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ) أي اجتهدوا في الحيلة عليك وفي إبطال أمرك (حَتَّى جاءَ الْحَقُ) أي استمر هؤلاء المنافقون على إثارة الفتنة وتنفير الناس عن قبول الدين حتى جاء النصر الإلهي وكثر المؤمنون (وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ) أي غلب دينه بظهور الأسباب التي تقوي شرع محمد صلىاللهعليهوسلم (وَهُمْ كارِهُونَ) (٤٨) أي والحال أنهم كارهون لمجيء هذا الحق وظهور أمر الله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) أي ومن المنافقين وهو الجد بن قيس من يقول للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : ائذن لي في القعود في المدينة ولا توقعني في الإثم بأن لا تأذن لي فإنك إن منعتني من القعود وقعدت بغير إذنك وقعت في الإثم. وروي أن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لما تجهز إلى غزوة تبوك قال للجد بن قيس : «يا أبا وهب هل لك في جلاد بني الأصفر» ـ أي في جهاد ملوك الروم ـ فقال الجد : يا رسول الله قد علمت الأنصار أني مغرم بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر وإني أخشى إن رأيتهن لا أصبر عنهن ولكني أعينك بمال فاتركني (أَلا) أي تنبهوا (فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) أي إنهم في عين الفتنة وقعوا فإن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله ورسوله ، والتمرد عن قبول التكليف وهم خائفون من نزول آيات في بيان نفاقهم (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (٤٩) أي جامعة لهم يوم القيامة من كل جانب. وقيل : إن أسباب تلك الإحاطة حاصلة في الحال ، فكأنهم في وسطها لأنهم كانوا محرومين عن كل السعادات وإنهم اشتهروا بين الناس بالنفاق والطعن في الدين ، وقصد الرسول بكل سوء. وكانوا يشاهدون أن دولة الإسلام أبدا في الترقي. وكانوا في أشد الخوف على أنفسهم وأولادهم وأموالهم. (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ) أي إن تصبك في بعض الغزوات حسنة من ظفر أو غنيمة أو انقياد بعض ملوك الأطراف يحزنهم ذلك (وَإِنْ تُصِبْكَ) في بعض الغزوات (مُصِيبَةٌ) أي شدة وإن صغرت (يَقُولُوا) متبجحين برأيهم : (قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا) أي حذرنا بالاعتزال عن المسلمين والتخلف عنهم والمداراة مع الكفرة (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل هذه المصيبة (وَيَتَوَلَّوْا) عن مقام التحدث بذلك إلى أهاليهم (وَهُمْ فَرِحُونَ) (٥٠) بما أصابك من المصيبة وبسلامتهم منها. (قُلْ) يا أشرف الخلق للمنافقين بيانا لبطلان اعتقادهم : (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) أي لن يصيبنا خير ولا شر ولا رخاء ، ولا شدة ولا خوف ، ولا أمن إلا وهو مقدر علينا مكتوب عند الله فإذا صرنا مغلوبين صرنا مستحقين للأجر العظيم ، وإن صرنا غالبين صرنا مستحقين للثواب في الآخرة وفزنا بالمال الكثير والثناء الجميل في الدنيا (هُوَ) أي الله (مَوْلانا) يحسن منه التصرف في العالم كيف شاء فإن أوصل إلى بعض عبيده أنواعا من المصائب فإنه يجب الرضا بها (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (٥١) أي فالواجب على المؤمن أن يفوّض أمره إلى الله وأن يرضى بفعله تعالى وأن يطمع من فضله تعالى ورحمته. (قُلْ) يا أشرف الخلق للمنافقين : (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) أي ما تنتظرون