بنا إلا إحدى الحالتين الشريفتين ، النصر أو الشهادة ، وذلك لأن المسلم إذا ذهب إلى الغزو فإن صار مغلوبا مقتولا بالاسم الحسن في الدنيا وهي الرجولية والشوكة وبالثواب العظيم الذي أعده الله للشهداء في الآخرة وإن صار غالبا فاز في الدنيا بالمال الحلال والاسم الجميل وفي الآخرة بالثواب العظيم (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ) إحدى الحالتين الخسيستين إما (أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ) كأن ينزل عليكم صاعقة من السماء كما نزلت على عاد وثمود (أَوْ) بعذاب (بِأَيْدِينا) وهو القتل على الكفر ، أي إن المنافق إذا قعد في بيته كان مذموما منسوبا إلى الجبن ، وضعف القلب والرضا بأمر يشاركه فيه النسوان والصبيان والعاجزون ، ثم يكون أبدا خائفا على نفسه وولده وماله ، وإن أذن الله في قتله وقع في القتل والأسر والنهب مع الذل وإن مات انتقل إلى العذاب الدائم في الآخرة (فَتَرَبَّصُوا) بنا إحدى الحالتين الشريفتين (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) (٥٢) وقوعكم في إحدى الحالتين الخسيستين (قُلْ) يا أشرف الخلق لهذا المنافق وأمثاله وهذه الآية نزلت في الجد بن قيس حين قال للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : ائذن لي في القعود وهذا ما لي أعينك به (أَنْفِقُوا) أموالكم (طَوْعاً) أي من غير إلزام من الله ورسوله (أَوْ كَرْهاً) أي إلزاما منهما.
وسمي الإلزام إكراها لأن إلزام المنافقين بالإنفاق كان شاقا عليهم كالإكراه.
وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي النساء والأحقاف «كرها» بضم الكاف. وقرأ عاصم وابن عامر في الأحقاف بالضم من المشقة وفي النساء والتوبة بالفتح من الإكراه. والباقون بفتح الكاف في جميع ذلك (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) والأمر هنا بمعنى الخير أي نفقتكم غير مقبولة سواء كانت طوعا أو كرها (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) (٥٣) أي منافقين فإنهم كافرون في الباطن (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) أي لا يأتونها في حال من الأحوال إلا حال كونهم متثاقلين فإن هذا المنافق إن كان في جماعة صلى ، وإن كان وحده لم يصل لأنه يصلي طاعة لأمر الله وإنما يصلي خوفا من مذمة الناس (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) (٥٤) أي لا رغبة لهم فإنهم لا ينفقون لغرض الطاعة بل رعاية للمصلحة الظاهرة حتى إنهم كانوا يعدون الإنفاق مغرما بينهم (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) والمراد بهذا الخطاب جميع المؤمنين. والمعنى ولا تعجبوا بأموال المنافقين وأولادهم (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها) أي بالأموال والأولاد (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وسبب كون المال والولد عذابا في الدنيا هو ما يحصل من المتاعب والمشاق في تحصيلهما فإذا حصلا ازداد التعب وتحمل المشاق في حفظهما ويزداد الغم والخوف بسبب المصائب الواقعة فيهما ، وهم اعتقدوا أنه لا سعادة إلا في هذه الخيرات العاجلة ، فالمال والولد عذاب على المنافق في الدنيا دون المؤمن لأنه علم أنه يثاب بالمصائب الحاصلة له في الدنيا (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٥٥) أي يريد الله أن