تخرج أرواحهم والحال أنهم كافرون فيكون عذابهم في الآخرة أشد العذاب (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) أي يحلف المنافقون للمؤمنين إذا جالسوهم إنهم على دينكم (وَما هُمْ مِنْكُمْ) أي ليسوا على دينكم (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) (٥٦) أي يخافون القتل فأظهروا الإيمان وأسروا النفاق (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) أي حرزا يلجئون إليه تحصنا منكم من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة (أَوْ مَغاراتٍ) أي كهوفا في الجبل يخفون فيها أنفسهم (أَوْ مُدَّخَلاً) أي سربا تحت الأرض كالآبار يندسون فيه (لَوَلَّوْا) أي لصرفوا وجوههم (إِلَيْهِ) أي إلى أحد هذه الوجوه الثلاثة التي هي شر الأمكنة (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (٥٧) أي يسرعون إسراعا لا يرد وجوههم شيء لشدة تأذيهم من الرسول ومن المسلمين (وَمِنْهُمْ) أي المنافقين أبي الأحوص وأصحابه (مَنْ يَلْمِزُكَ) أي من يعيبك سرا (فِي الصَّدَقاتِ) قالوا لم يقسم بيننا بالسوية والله ما يعطيها محمد إلا من أحب ولا يؤثرها إلا هواه فنزلت هذه الآية (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) أي الصدقات قدر ما يريدون في الكثرة (رَضُوا) بالقسمة (وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها) قدر ما يريدون (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) (٥٨) أي يفاجئون السخط فإن رضاهم وسخطهم لطلب النصيب لا لأجل الدين (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) من الصدقات وطابت نفوسهم وإن قل (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي كفانا ذلك (سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) أي سيغنينا الله من فضله برزقه فيعطينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أكثر مما أعطانا اليوم (إِنَّا إِلَى اللهِ) أي إلى طاعته وإحسانه (راغِبُونَ) (٥٩) لكان ذلك أعود عليهم.
ونقل أن عيسى عليهالسلام مرّ بقوم يذكرون الله تعالى فقال : ما الذي يحملكم عليه؟ قالوا : الخوف من عقاب الله. فقال : أصبتم. ثم مرّ على قوم آخرين يذكرون الله تعالى فقال : ما الذي يحملكم عليه؟ فقالوا : الرغبة في الثواب. فقال : أصبتم. ومرّ على قوم ثالث مشتغلين بالذكر ، فسألهم ، فقالوا : لا نذكره للخوف من العقاب ولا للرغبة في الثواب بل لإظهار ذلة العبودية وعزة الربوبية وتشريف القلب بمعرفته ، وتشريف اللسان بالألفاظ الدالة على صفات قدسه وعزته فقال : أنتم المحبون المحققون. (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) أي إنما الزكوات مصروفة للفقراء وهم المحتاجون الذين لا يجدون شيئا ولا يسألون الناس وهم أهل صفة مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا نحو أربعمائة رجل لا منزل لهم ، والمساكين هم الطوافون الذين يسألون الناس كما قاله ابن عباس ، ومن سأل وجد فكان المسكين أقل حاجة (وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) وهم السعاة لجباية الصدقة وهؤلاء يعطون من الصدقات بقدر أجور أعمالهم وهو قول الشافعي وعبد الله بن عمر وابن زيد.
وقال مجاهد والضحاك : يعطون الثمن من الصدقات (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) وهم أصناف : صنف دخلوا في الإسلام ونيتهم ضعيفة فيتألفون ليثبتوا ، وآخرون لهم شرف في قومهم يطلب