قرأ عاصم في رواية الأعمش ، وعبد الرحمن عن أبي بكر عنه «أذن خير» مرفوعين ، أي إن كان صلىاللهعليهوسلم كما تقولون : إنه أذن فأذن يقبل منكم خير لكم من أن يكذبكم. والباقون بالإضافة أي هو أذن خير لا أذن شر ، أي يصدقكم بالخير لا بالكذب. ثم بيّن الله كونه صلىاللهعليهوسلم أذن خير بقوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ) لما قام عنده من الأدلة (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي ويرضى لهم ويصدقهم لما علم فيهم من الخلوص (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي وهو رفق بالذين أظهروا الإيمان منكم حيث لا يكشف أسرارهم.
وقرأ حمزة «ورحمة» بالجر عطفا على خير. وقرأ ابن عامر «ورحمة» بالنصب علة لمحذوف ، أي ويأذن لكم رحمة (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ) بقولهم هو أذن ونحوه (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦١) في الدنيا والآخرة (يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) أي إنهم حلفوا على أنهم ما قالوا ما حكي عنهم ليرضوا المؤمنين بيمينهم (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) أي والحال أنه تعالى ورسوله أحق بالإرضاء منكم وكان من الواجب أن يرضوهما بالإخلاص والتوبة والمتابعة وإيفاء حقوقه صلىاللهعليهوسلم في باب الإجلال مشهدا ومغيبا لا بإتيانهم بالأيمان الفاجرة (إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ) (٦٢) فليرضوا الله ورسوله بالطاعة فإنهما أحق بالإرضاء (أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي أولئك المنافقون جلاس وأصحابه (أَنَّهُ) أي الشأن (مَنْ يُحادِدِ اللهَ) أي من يخالف الله (وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) أي فحق أن له نار جهنم أي فيكون نار جهنم له أمر ثابت (خالِداً فِيها ذلِكَ) أي العذاب الخالد (الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) (٦٣) أي الندم الشديد وهي ثمرات نفاقهم (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) أي يخاف المنافقون أن تنزل في شأنهم سورة تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم إذاعة ظاهرة فتنتشر فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجال فكأن السورة تخبرهم بها وهم كانوا إذا سمعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكر كل شيء ويقول : إنه بطريق الوحي يكذبونه ويستهزئون به (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) أي افعلوا الاستهزاء بمحمد والقرآن (إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) (٦٤) أي فإن الله مظهر ما تحذرونه من إنزال السورة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ).
قال الحسن وقتادة : لما سار الرسول إلى تبوك قال المنافقون بينهم : أتراه يظهر على الشام ويأخذ حصونها وقصورها ، هيهات هيهات ، فعند رجوعه صلىاللهعليهوسلم دعاهم وقال : أنتم القائلون بكذا وكذا فقالوا : ما كان ذلك بالجد في قلوبنا وإنما كنا نتحدث ونضحك فيما بيننا (قُلْ أَبِاللهِ) أي بتكاليف الله (وَآياتِهِ) أي وبالقرآن وبسائر ما يدل على الدين (وَرَسُولِهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم (كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ) (٦٥) (لا تَعْتَذِرُوا) أي لا تذكروا هذا العذر في دفع هذا الجرم (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي وقد ظهر كفركم للمؤمنين بالطعن في الرسول صلىاللهعليهوسلم بعد أن كنتم عندهم مسلمين (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً).