(وَمِنْهُمْ) أي المنافقين (مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٧٥) (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا) بإجرامهم على العهد (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٧٦) بقلوبهم عن أوامر الله تعالى (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) أي فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم أي فارتدوا عن الإسلام وصاروا منافقين (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) أي إلى يوم موتهم الذين يلقون فيه جزاء عملهم وهو يوم القيامة (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) أي بسبب إخلافهم الله الوعد من التصدق والصلاح (وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٧٧) أي وبسبب كونهم مستمرين على الكذب في وعدهم.
روي أن ثعلبة بن حاطب كان صحيح الإسلام في ابتداء أمره وصار منافقا في آخر أمره وكان ملازما لمسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى لقب بحمامة المسجد ، ثم رآه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يسرع الخروج من المسجد عقب الصلاة فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما لك تفعل فعل المنافقين؟» فقال : إني افتقرت ولي ولامرأتي ثوب أجيء به للصلاة ، ثم أذهب فأنزعه لتلبسه وتصلي به فجاء ثعلبة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال صلىاللهعليهوسلم : «يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه» ثم أتاه بعد ذلك فقال : يا رسول الله ادع الله أم يرزقني مالا فقال له رسول الله : «أما لك في أسوة حسنة ، والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت» ثم أتاه بعد ذلك وقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا ، والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، فدعا له فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود ، حتى ضاقت بها المدينة ، فنزل واديا من أوديتها فجعل يصلي الظهر والعصر مع رسول الله ، ويصلي في غنمه باقي الصلوات ، ثم نمت وكثرت فتباعد من المدينة حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، ثم نمت وكثرت حتى تباعد وترك الجمعة فإذا كان يوم الجمعة يتلقى الناس يسألهم عن الأخبار ثم سأل رسول الله فأخبر بخبره فقال : «يا ويح ثعلبة ثلاثا» فنزل قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) [التوبة : ١٠٣] فبعث صلىاللهعليهوسلم رجلين من بني سليم ومن بني جهينة ، وكتب لهما أسنان الصدقة وقال لهما : «مرّا على ثعلبة بن حاطب فخذا صدقاته» فأتياه وأقرآه كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لهما : ما هذه إلا الجزية أو أخت الجزية فلم يدفع الصدقة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فقيل له : قد أنزل فيك كذا وكذا فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسأله أن يقبل صدقته فقال : «إن الله منعني من قبول ذلك» فجعل يحثوا التراب على رأسه فقال صلىاللهعليهوسلم : «قد قلت لك فما أطعتني» (١) فرجع إلى منزله وقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم أتى أبا بكر بصدقته ، فلم يقبلها اقتداء برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم جاء بهما إلى عمر أيام
__________________
(١) رواه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (٨ : ٢٢٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٣ : ٤٧٣) ، وابن كثير في التفسير (٤ : ١٢٤) ، والطبري في التفسير (١٠ : ١٣١) ، والقرطبي في التفسير (٨ : ٢٠٩) ، والواحدي في أسباب النزول (١٧١).