(ذلِكَ) أي الرضوان والجنات (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٠٠) أي النجاة الوافرة (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ) أي حول بلدتكم (مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ) وهم جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار وكانوا نازلين حول المدينة (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) أي من أهل المدينة كعبد الله ابن أبي وأصحابه من ثبتوا على النفاق ولم يتوبوا عنه (لا تَعْلَمُهُمْ) أي لا تعلم نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء. نفسك لشدة إبطان الكفر وإظهار الإخلاص (نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) أي نحن نعلم سرائرهم التي في ضمائرهم (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) بعذاب الدنيا بجميع أقسامه وعذاب القبر (ثُمَّ يُرَدُّونَ) في الآخرة (إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) (١٠١) هو النار المؤبدة (وَآخَرُونَ) أي ومن أهل المدينة قوم آخرون أبو لبابة مروان ابن عبد المنذر ، وأوس بن ثعلبة ووديعة بن حزام (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) أي أقروا بذنوبهم وأظهروا الندامة على التخلف (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) وهو خروجهم مع الرسول إلى سائر الغزوات (وَآخَرَ سَيِّئاً) وهو تخلفهم من غزوة تبوك أي خلطوا كل واحد من العمل الصالح والعمل السيء بالآخر (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي ثبت أن يقبل الله توبتهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢) يتجاوز عن سيئات التائب ويتفضل عليه (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) أي لما أظهروا التوبة عن تخلفهم عن غزوة تبوك وهم أقروا بأن السبب المؤدي لذلك التخلف حبهم للأموال أمر الله رسوله أن يأخذ منهم الزكوات الواجبة عليهم فكأنه قيل لهم : إنما يظهر صحة قولكم في ادعاء هذه التوبة لو أخرجتم الزكاة الواجبة بانشراح قلب ، لأن الدعوى إنما يشهد عليها الامتحان ، فعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان فإن أدوا تلك الزكوات عن طيبة النفس ظهر كونهم صادقين في تلك التوبة وإلا فهم كاذبون (تُطَهِّرُهُمْ) أي تطهرهم أنت أيها الآخذ بأخذها منهم عن نجاسة الذنوب (وَتُزَكِّيهِمْ بِها) أي ترفعهم بتلك الصدقة حسناتهم إلى مراتب المخلصين وتثني عليهم عند إخراجها إلى الفقراء وتجعل النقصان الحاصل بسبب إخراج قدر الزكاة سببا لزيادة البركة (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادع لهم.
قال الشافعي رضياللهعنه والسنة للإمام : إذا أخذ الصدقة أن يدعو للمتصدق ويقول : آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورا (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) أي إن دعاءك يوجب طمأنينة قلوبهم (وَاللهُ سَمِيعٌ) لقولهم (عَلِيمٌ) (١٠٣) بنياتهم.
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «صلاتك» على التوحيد. والباقون «صلواتك» على الجمع. (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) أي ألم يعلم أولئك التائبون قبل توبتهم وصدقتهم أن الله يقبل التوبة الصحيحة عن عباده المخلصين ، ويقبل الصدقات الصادرة عن خلوص النية (وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) أي وأ لم يعلموا أنه تعالى المنفرد ببلوغ الغاية القصوى من قبول التوبة وإيصال الرحمة (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي وقل يا أشرف الخلق اعملوا ما تشاؤون من الأعمال فسيرى الله عملكم خيرا كان