تفاوتهما بازدياد وانتقاص ، أو في تفاوتهما بحسب الأمكنة في الطول والقصر (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من أنواع الموجودات (لَآياتٍ) دالة على وجود الصانع ووحدته وكمال علمه وقدرته (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦) وخصّ الله تعالى العلامات بالمتقين لأن الداعي إلى التدبير والنظر إنما هو تقوى الله تعالى والحذر من العاقبة (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لا يطمعون في ثوابنا لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) أي استغرقوا في طلب اللذات الجسمانية (وَاطْمَأَنُّوا بِها) أي سكنوا في الاشتغال بطلب لذات الدنيا (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا) أي دلائل وحدانيتنا الظاهرة في الأكوان (غافِلُونَ) (٧) أي لا يتفكرون فيها أصلا (أُولئِكَ) أي الموصوفون بتلك الصفات (مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨) أي من الأعمال القلبية ومن أنواع المعاصي والسيئات (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) أي شغلوا قلوبهم وأرواحهم بتحصيل المعرفة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي شغلوا جوارحهم بالخدمة فعينهم مشغولة بالاعتبار وأذنهم مشغولة بسماع كلام الله تعالى ولسانهم مشغول بذكر الله وجوارحهم مشغولة بنور طاعة الله (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) أي يهديهم إلى الجنة ثوابا لهم على إيمانهم وأعمالهم الصالحة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٩) أي إنهم يكونون جالسين على سرر مرفوعة في البساتين والأنهار تجري من بين أيديهم (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) أي اشتغال أهل الجنة بتقديس الله تعالى وتمجيده والثناء عليه لأجل أن سعادتهم في هذا الذكر (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) أي تحية بعضهم لبعض تكون بالسلام وتحية الملائكة لهم بالسلام (وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) أي إن أهل الجنة لما عاينوا ما هم فيه من السلامة عن الآفات والمخافات علموا أن كل هذه الأحوال السنية إنما كانت بإحسان الله تعالى عليهم ، فاشتغلوا بالثناء على الله فقالوا : الحمد لله رب العالمين. وإنما وقع الختم على الحمد لأن الاشتغال بشكر النعمة متأخر عن رؤية تلك النعمة ، والمعنى أنهم إذا دخلوا الجنة وعاينوا عظمة الله ووجدوا فيها النعم العظيمة وعرفوا أنه تعالى كان صادقا في وعده إياهم بتلك النعم مجدوه تعالى ونعتوه بنعوت الجلال فقالوا : سبحانك اللهم ، أي نسبحك عن الخلف في الوعد والكذب في القول وعمّا لا يليق بحضرتك العلية ، ولما حياهم الله والملائكة بالسلامة عن الآفات وبالفوز بأنواع الكرامات أثنوا عليه تعالى بصفات الإكرام. (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) أي ولو يعجل الله لهم العذاب عند استعجالهم به تعجيلا مثل تعجيله لهم كشف الشدائد عند استعجالهم به لأميتوا وأهلكوا بالمرة وما أمهلوا طرفة عين.
وقرأ ابن عامر «لقضى» بفتح القاف والضاد ، و «أجلهم» بالنصب. وقرأ عبد الله ، «لقضينا إليهم أجلهم». (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١١) أي فنترك الذين لا يؤمنون بالبعث والجزاء مع تمردهم في ضلالتهم يتحيرون في شأنهم (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا