أي ما أتبع في شيء مما أفعل وأترك إلا ما يوحى إليّ في القرآن من غير تغيير له في شيء أصلا (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بالإعراض عن اتباع الوحي (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٥) وهو يوم القيامة (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ) أي قل يا أشرف الخلق للذين طلبوا منك تغيير القرآن : لو شاء الله عدم تلاوتي للقرآن عليكم بأن لم ينزله عليّ ولم يأمرني بتلاوته ما تلوته عليكم وما أعلمكم به بواسطتي.
وقرأ الحسن «ولا أدرؤكم به» أي ولا أجعلكم بتلاوته عليكم خصما تدرأونني بالجدال وتكذبونني. وقرأ ابن عباس «ولا أنذرتكم به». وعن ابن كثير و «لأدراكم» بلام التأكيد التي تقع في جواب لو ، أي ولأعلمكم به على لسان غيري فإنه حق لا محيص عنه ولو لم يرسلني الله به لأرسل غيري به (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) أي فقد مكثت فيما بينكم مقدار أربعين سنة تحفظون أحوالي طرا (مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل أن يوحى إليّ هذا القرآن لم آتكم بشيء (أَفَلا تَعْقِلُونَ) (١٦) أي ألا تدبرون فلا تعقلون أن القرآن ليس من تلقاء نفسي ، ووجه هذا الاحتجاج أن أولئك الكفار كانوا قد شاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أول عمره إلى ذلك الوقت وعلموا أحواله وأنه كان أميا لم يطالع كتابا ولم يتلمذ لأستاذ ، ثم بعد أربعين سنة جاءهم بهذا الكتاب المشتمل على نفائس العلوم وأخبار الماضين وفيه من الأحكام والأدب والفصاحة ما أعجز العلماء والفصحاء عن معارضته وكل من له عقل سليم يعلم أن هذا القرآن لا يحصل إلا بالوحي من الله تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي إني لم أفتر على الله كذبا ولم أكذب عليه في قولي إن هذا القرآن من عند الله ولو لم يكن من عند الله بحيث افتريته على الله لما كان في الدنيا أحد أظلم على نفسه مني فإذا أنكرتم ذلك فقد كذبتم بآيات الله فثبت كونكم أظلم الناس على أنفسكم (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) (١٧) أي لا ينجو من عذاب الله المشركون (وَيَعْبُدُونَ) أي هؤلاء المشركون (مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ) في الدنيا والآخرة (وَلا يَنْفَعُهُمْ) فيهما وهو الأصنام كان أهل الطائف يعبدون اللات وأهل مكة يعبدون عزى ومناة وهبل وإسافا ونائلة (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ) الأوثان (شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) أي فإنهم يزعمون أنهم تشفع لهم في الدنيا في إصلاح معايشهم لأنهم كانوا لا يعتقدون بعثا بعد الموت أو تشفع لهم في الآخرة أن يبعثوا لأنهم كانوا شاكين في البعث (قُلْ) تبكيتا لهم : (أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) أي أتخبرون الله بالذي لم يعلمه الله ـ وهو شفاعة الأصنام ـ وإذا لم يعلم الله شيئا استحال وجود ذلك الشيء لأنه تعالى لا يعزب عن علمه شيء (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١٨) أي عن شركائهم الذين يعتقدونهم شفعاء لهم عند الله.
وقرأ حمزة والكسائي «تشركون» بالتاء على الخطاب (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً)