أي كانوا على دين الإسلام من لدن آدم إلى أن قتل قابيل هابيل (فَاخْتَلَفُوا) بأن كفر بعضهم وثبت آخرون على دين الإسلام (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) أي لو لا أنه تعالى أخبر بأنه يبقى التكليف على عباده وإن كانوا كافرين (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بتعجيل الحساب والعقاب لكفرهم ، ولما كان ذلك سببا لزوال التكليف وكان إبقاؤه أصلح أخر الله العقاب إلى الآخرة (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٩) أي في الدين الذي اختلفوا بسببه (وَيَقُولُونَ) أي كفار مكة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) أي هلا أنزل الله على محمد عليهالسلام (آيَةٌ) أخرى سوى القرآن (مِنْ رَبِّهِ) دالة على صدق ما يقول كما كان لصالح من الناقة ، ولموسى من العصا (فَقُلْ) لهم في الجواب : (إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) أي إن ما اقترحتموه وزعمتم أنه من لوازم النبوة ، وعلقتم إيمانكم بنزوله هو من الغيوب المختصة بالله تعالى لا علم لي به (فَانْتَظِرُوا) نزوله (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (٢٠) لما يفعل الله بكم لاجترائكم على جحود الآيات القرآنية واقتراح غيرها. (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) أي إن مشركي أهل مكة عادتهم اللجاج والعناد لأنه تعالى سلط عليهم القحط سبع سنين حتى كادوا يهلكون ، فأنزل الله الأمطار النافعة على أراضيهم حتى أخصبت البلاد وعاش الناس بعد ذلك ، ثم إنهم أضافوا تلك المنافع الجليلة إلى الأنواء والكواكب أو الأصنام ، وإذا كان كذلك فبتقدير أن يعطوا ما سألوا من إنزال ما اقترحوه فإنهم لا يؤمنون بل يبقون على كفرهم (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي إن هؤلاء الكفار لما قابلوا نعمة الله بالمكر فالله تعالى قابل مكرهم بمكر أشد من ذلك ، وهو إهلاكهم يوم بدر ، وحصول الفضيحة ، والخزي في الدنيا ، وعذاب شديد يوم القيامة. ومعنى الوصف بالأسرعية أنه تعالى قضى بعقابهم قبل تدبيرهم مكايدهم ، والمكر من الله تعالى إما الاستدراج أو الجزاء على المكر أي إخفاء الكيد (إِنَّ رُسُلَنا) الذين يحفظون أعمالكم (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) (٢١) أي مكركم. ويعرض عليكم ما في بواطنكم الخبيثة يوم القيامة (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ) مشاة وركبانا (وَالْبَحْرِ).
وقرأ ابن عامر «ينشركم» بنون ساكنة فشين معجمة مضمومة أي يبسطكم (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) أي السفن (وَجَرَيْنَ) أي السفن (بِهِمْ) أي بالذين فيها (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) موافقة للمقصود (وَفَرِحُوا بِها) أي بتلك الريح فرحا تاما (جاءَتْها) أي تلقت تلك الريح الطيبة (رِيحٌ عاصِفٌ) أي شديد أزعجت سفينتهم (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ) العظيم الذي أرجف قلوبهم (مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي ناحية (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ) أي ظنوا القرب من الهلاك (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي من غير أن يشركوا معه تعالى شيئا من آلهتهم ، أي وهم مقرون بوحدانية الله وربوبيته لأجل علمهم بأنه لا ينجيهم من ذلك إلا الله تعالى فيكون إيمانهم جاريا مجرى الإيمان الاضطراري قائلين : والله (لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ) الشدائد (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٢٢) لنعمك (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ) من هذه البلية العظيمة (إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي يترقون في الفساد والجراءة على الله تعالى بالكفر والمعاصي (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا).