قرأ الأكثرون : «متاع» بالرفع «فبغيكم» مبتدأ و «متاع» خبره ، أو «على أنفسكم» خبره ، و «متاع» خبر محذوف ، أي إن ظلم بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا وهي مدة حياتكم لا بقاء لها ، أو أن الظلم لبعضكم كائن عليكم في الحقيقة لا على الذين تظلمون عليهم وهو منفعة سريعة الزوال. وقرأ حفص عن عاصم بنصب متاع على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر ، أي تتمتعون متاع أو مصدر وقع موقع الحال أي متمتعين بالحياة الدنيا (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ) بعد الموت (فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٢٣) في الدنيا من البغي أي قصد الاستعلاء بالظلم فنجازيكم على أعمالكم (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ) أي لأنه إذا نزل المطر يثبت بسببه أنواع كثيرة من النبات وتكون تلك الأنواع مختلطة (مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ) من البقول والزروع والحشيش (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها) أي حتى إذا جعلت الأرض آخذة لباسها من كل نبات (وَازَّيَّنَتْ) بجميع الألوان الممكنة في الزينة من حمرة وخضرة وصفرة وذهبية وبياض (وَظَنَّ أَهْلُها) أي أهل النبات الموجودة في الأرض (أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) أي على تحصيل ثماره وعلى حصاده (أَتاها) أي نبات الأرض (أَمْرُنا) بهلاكنا بنار أو برد أو ريح (لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها) أي نبات الأرض (حَصِيداً) أي شبيها بالمقلوع فلا شيء على الأرض (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) أي كأن تلك النباتات لم تكن قائمة على ظهر الأرض في الزمن الماضي. والمعنى أن هذه الحياة الدنيا التي ينتفع بها المرء مثل النبات الذي لما عظم الرجاء في الانتفاع به وقع اليأس منه بالهلاك ، والمتمسك بالدنيا إذا نال منها بغيته أتاه الموت بغتة فسلبه ما هو فيه من نعيم الدنيا ولذتها. (كَذلِكَ) أي مثل ذلك التفصيل (نُفَصِّلُ الْآياتِ) أي نبين الآيات القرآنية في فناء الدنيا (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢٤) ويقفون على معانيها (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ).
روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «مثلي ومثلكم شبه سيد بني دارا ووضع مائدة وأرسل داعيا ، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المائدة ورضي عنه السيد ، ومن لم يجب لم يدخل ولم يأكل ولم يرض عنه السيد» (١). فالله السيد والدارين الإسلام ، والمائدة الجنة ، والداعي محمد صلىاللهعليهوسلم. وعن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان بحيث يسمع كل الخلائق ـ إلا الثقلين ـ أيها الناس. هلموا إلى ربكم والله يدعو إلى دار السلام» (٢). (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢٥) أي إجابة تلك الدعوة (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أي
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الاعتصام ، باب : الاقتداء بسنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والدارمي في المقدمة ، باب : صفة النبي صلىاللهعليهوسلم في الكتب قبل مبعثه.
(٢) رواه المنذري في الترغيب والترهيب (٢ : ٤٩).