بسبب الكسب ، وإن كان قد سبق قضاء الله وقدره فيهم وتقدير الشقاوة عليهم لا يكون ظلما منه تعالى لأنه يتصرف في ملكه كيف يشاء والخلق كلهم عبيده وكل من تصرف في ملكه لا يكون ظالما (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) أي وأنذر المشركين المنكرين للعبث يوم يحشرهم في الموقف مشبهين من لم يلبث في الدنيا ولم يتقلب في نعيمها إلا مقدار ساعة من النهار فإن عاقبة الكافر خالصة مقرونة بالإهانة ، ولذات الدنيا مع خساستها لم تكن خالصة بل كانت مخلوطة بالهمومات الكثيرة ، وكانت تلك اللذات مغلوبة بالمؤلمات والآفات وكانت لم تحصل إلا في بعض الأوقات ، أما آلام الآخرة فهي سرمدية لا تنقطع ألبتة ونسبة عمر جميع الدنيا إلى الآخرة الأبدية أقل من الجزء الذي لا يتجزأ بالنسبة إلى ألف ألف عالم مثل العالم الموجود ، فمتى قوبلت الخيرات الحاصلة بسبب الحياة العاجلة بالآفات الحاصلة للكافر وجدت أقل من اللذة بالنسبة إلى جميع العالم (يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ) أي يوبخ بعضهم بعضا فيقول كل فريق للآخر : أنت أضللتني يوم كذا وزينت لي الفعل الفلاني من القبائح (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (٤٥) أي قد هلكوا بتكذيبهم بالبعث بعد الموت ، وضلوا وما كانوا عارفين لطريق النجاة وهذه شهادة من الله تعالى على خسرانهم (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) أي وإن أريناك بعض العذاب الذي نعدهم به بأن نعجله لهم في حياتك في الدنيا فتراه ، وإن توفيناك قبل نزول العذاب بهم فإنك ستراه في الآخرة لأن العذاب لا يفوتهم بل ننزله بهم في الآخرة (ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ) (٤٦) أي ثم الله معاقب على ما يفعلونه. وقرئ ثمة أي هناك (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ) من الأمم الماضية (رَسُولٌ) يبعث إليهم بشريعة خاصة مناسبة لأحوالهم ليدعوهم إلى الحق (فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ) فبلغهم ما أرسل إليهم ، فكذبه بعضهم وصدقه بعضهم (قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي بالعدل ، أي فصل بينهم وحكم بهلاك المكذبين وبنجاة الرسول ومن صدقه (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٤٧) في ذلك القضاء بتعذيبهم لأنه بجرمهم (وَيَقُولُونَ) أي قال : كل أهل دين لرسولهم على وجه التكذيب للرسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما أخبرهم من نزول العذاب للأعداء (مَتى هذَا الْوَعْدُ) الذي تعدنا بنزول العذاب (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤٨) في أنه يأتينا (قُلْ) يا أشرف الخلق لقومك الذين استعجلوا نزول العذاب على طريقة الاستهزاء به والإنكار (لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً) أي لا أقدر على دفع ضر ولا جلب نفع لنفسي (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أي ولكن ما شاء الله من ذلك كائن (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) أي وقت معين خاص بهم (إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) أي وقت هلاكهم (فَلا يَسْتَأْخِرُونَ) عن ذلك الأجل (ساعَةً) أي شيئا قليلا من الزمان (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (٤٩) عليه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) (٥٠) أي قل للذين يستعجلون العذاب أخبروني عن عذاب الله إن أتاكم وقت اشتغالكم بالنوم أو عند اشتغالكم بمشاغلكم أي شيء تستعجلون من عذاب الله وليس شيء من العذاب يستعجله عاقل إذ العذاب كله مر المذاق موجب لنفار الطبع منه (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) أي أبعد ما وقع العذاب بكم حقيقة