الانقياد لتكاليف الله وترك التمرد ، والإيمان هو معرفة القلب بأن واجب الوجود لذاته واحد وما سواه محدث تحت تصرفه وإذا حصلت هاتان الحالتان فعند ذلك يفوض العبد جميع أموره إلى الله تعالى ويحصل في القلب نور التوكل على الله تعالى (فَقالُوا) مجيبين له عليهالسلام : (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) ولا نلتفت إلى أحد سواه ، ثم دعوا ربهم قائلين (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٨٥) أي لا تجعلنا مفتونين لهم أي لا تمكنهم من أن يحملونا بالقهر على أن ننصرف عن هذا الدين الحق الذي قبلناه (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٨٦) أي خلصنا برحمتك من أيدي فرعون وقومه ومن سوء جوارهم وشؤم مصاحبتهم (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) أي اجعلا بمصر بيوتا لقومكما ومرجعا ترجعون إليه للعبادة (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أي مصلى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) في بيوتكم إن موسى ومن معه كانوا في أول أمرهم مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم لئلا يظهروا على الكفرة فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم كما كان المؤمنون في أول الإسلام بمكة على هذه الحالة (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (٨٧) بالنصر في الدنيا وبالجنة في العقبى وخصّ الله تعالى موسى بالبشارة ، لأنه الأصل في الرسالة ، وهارون تبع له. (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ) أي أشراف قومه (زِينَةً) أي ما يتزين به من اللباس والمراكب ونحوها. (وَأَمْوالاً) كثيرة من الذهب والفضة وغيرهما (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) دعا عليهم بلفظ الأمر. والمعنى ربنا ابتلهم بالضلال عن سبيلك (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ).
قال ابن عباس : بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحا وأنصافا وأثلاثا وجعل سكرهم حجارة (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي اجعلها قاسية ومربوطة حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان (فَلا يُؤْمِنُوا) جواب للدعاء أو دعاء بلفظ النهي ، أو عطف على «ليضلوا» (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٨٨) وإذا دعا موسى عليهم بهذا الدعاء لما علم أن سابق قضاء الله وقدره فيهم أنهم لا يؤمنون فوافق دعاء موسى ما قدر وقضى عليهم. (قالَ) الله لموسى وهارون : (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) فموسى كان يدعو هارون كان يؤمن والتأمين دعاء ، وحصول المدعو به بعد أربعين سنة لأن فرعون لبث بعد هذا الدعاء أربعين سنة (فَاسْتَقِيما) أي فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ولا تستعجلا (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨٩) بعادات الله تعالى في تعليق الأمور بالمصالح والحكم ، أي ولا تسلكا طريق الجاهلين الذين يظنون أنه متى كان الدعاء مجابا كان المقصود حاصلا في الحال ، والاستعجال وعدم الوثوق بوعد الله يصدران من الجهال. (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ) أي جعلناهم مجاوزين بحر السويس بأن جعلناه يبسا وحفظناهم حتى بلغوا الشط.
قال أهل التفسير : اجتمع يعقوب وبنوه على يوسف وهم اثنان وتسعون ، وخرج بنوه مع