الشاكين (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٩٥) أنفسا وأعمالا وهذا كله خطاب للنبي ظاهر ، أو المراد به غيره ممن عنده شك ، ومثل هذا معتاد فإن السلطان الكبير إذا كان له أمير وكان تحت راية ذلك الأمير جمع فإذا أراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص فإنه يوجه الخطاب على ذلك الأمير ليكون ذلك أقوى تأثيرا في قلوبهم. وقيل : هذا الخطاب ليس مع الرسول صلىاللهعليهوسلم وذلك أن الناس في زمانه كانوا فرقا ثلاثة المصدقون به والمكذبون له والمتوقفون في أمره ، الشاكون فيه فخاطبهم الله تعالى بهذا الخطاب فقال : إن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد فاسأل أهل الكتاب ليدلوك على صحة نبوته وهم عبد الله بن سلام وعبد الله بن صوريا ، وتميم الداري ، وكعب الأحبار لأنهم هم الذين يوثق بخبرهم (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) أي ثبت عليهم حكمه بأنهم يموتون على الكفر ويخلدون في النار (لا يُؤْمِنُونَ) (٩٦) أبدا إذ لا كذب في كلامه (وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) أي ولو جاءتهم الدلالة التي لا حصر لها لأن الدليل لا يهدي إلا بإعانة الله تعالى (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٩٧) كدأب آل فرعون وأشباههم (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
قال أبو مالك صاحب ابن عباس : كل ما في كتاب الله تعالى من ذكر «لو لا» فمعناه هلا إلا حرفين فلو لا كانت قرية آمنت فمعناه فما كانت قرية آمنت فلو لا كان من القرون من قبلكم فمعناه فما كان من القرون وتقدير الآية فما كان أهل قرية آمنوا فنفعهم إيمانهم إلا قوم يونس لما آمنوا أول ما رأوا أمارة العذاب صرفنا عنهم العذاب في الحياة الدنيا (وَمَتَّعْناهُمْ) بمتاع الدنيا بعد صرف العذاب عنهم (إِلى حِينٍ) (٩٨) أي إلى وقت انقضاء آجالهم.
روي أن يونس عليهالسلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه فذهب عنهم مغاضبا فلما فقدوه خافوا نزول العذاب فلبسوا المسوح وعجوا أربعين ليلة وكان يونس قال لهم : إن أجلكم أربعون ليلة فقالوا : إن رأينا أسباب الهلاك آمنا بك فلما مضت خمس وثلاثون ليلة ظهر في السماء غيم أسود هائل فظهر منه دخان شديد ، وهبط ذلك الدخان حتى وقع في المدينة ، وسوّد سطوحهم ، فخرجوا إلى الصحراء ، وفرقوا بين النساء وبين الدواب وأولادها ، فحنّ بعضها إلى بعض وعلت الأصوات ، وكثرت التضرعات ، وأظهروا الإيمان والتوبة وتضرعوا إلى الله تعالى فرحمهم ، وكشف عنهم ، وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء يوم الجمعة. وعن الفضل بن عباس أنهم قالوا : اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم وأجل ، افعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله ، وخرج يونس ينتظر العذاب فلم ير شيئا فقيل له : ارجع إلى قومك. قال : وكيف أرجع إليهم فيجدوني كذابا وكان كل من كذب ولا بينة له قتل فانصرف عنهم مغاضبا فالتقمه الحوت (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) أي مجتمعين على الإيمان لا