والري من الشرب لا يقدح في الإخلاص لأن وجود الخبز وصفاته كلها بإيجاد الله وطلب الانتفاع بشيء خلقه الله لذلك لا يكون منافيا للرجوع بالكلية إلى الله إلا أن شرط هذا الإخلاص أن لا يقع بصر عقله على شيء من هذه الموجودات إلا ويشاهد بعين عقله أنها معدومة بذواتها وموجودة بإيجاد الله فحينئذ يرى ما سوى الله عدما محضا بحسب أنفسها ويرى نور وجوده تعالى وفيض إحسانه عاليا على الكل (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) أي إن يصبك بضر كمرض وفقر (فَلا كاشِفَ لَهُ) أي فلا رافع لذلك الضر (إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) أي وإن يرد أن يصيبك بخير فلا دافع لعطيته الذي أرادك به ولم يستثن الله تعالى مع الإرادة ، لأن إرادة الله تعالى قديمة لا تتغير بخلاف مس الضر فإنه صفة فعل.
قال الرازي : وتقديم الإنسان في اللفظ وهو المشار إليه بالخطاب دليل على أن المقصود هو الإنسان أما سائر الخيرات فهي مخلوقة لأجله (يُصِيبُ بِهِ) أي يخص بالفضل الواسع المنتظم لما أرادك به من الخير (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ممن كان أهلا لذلك (وَهُوَ الْغَفُورُ) أي البالغ الستر للذنوب (الرَّحِيمُ) (١٠٧) أي البالغ في الإكرام (قُلْ) مخاطبا لأولئك الكفرة لأجل أن تنقطع معذرتهم (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) وهو القرآن العظيم المشتمل على محاسن الأحكام (فَمَنِ اهْتَدى) بالإيمان به (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي فمنفعة اهتدائه لها خاصة (وَمَنْ ضَلَ) بالإعراض عنه (فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي فوبال الضلال مقصور على نفسه (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (١٠٨) أي بحفيظ موكول إلى أمركم وإنما أنا بشير ونذير فلا يجب على السعي في إيصالكم إلى الثواب وفي تخليصكم من العذاب (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ) أي يؤمر لك في القرآن من تبليغ الرسالة (وَاصْبِرْ) على ما يطرأ عليك من مشاق التبليغ (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) بالأمر بالقتال (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (١٠٩) فحكم بالجهاد وبالجزية على أهل الكتاب وأنشد بعضهم في الصبر شعرا فقال :
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري |
|
و أصبر حتى يحكم الله في أمري |
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني |
|
صبرت على شيء أمر من الصبر |