أولها : دلالة الدلائل العقلية اليقينية على صحته.
وثانيها : شهادة القرآن بصحته.
وثالثها : شهادة التوراة بصحته فعند اجتماع هذه الثلاثة قد بلغ هذا اليقين في القوة والجلاء إلى حيث لا يمكن الزيادة عليه فلا يبقى في صحته شك (أُولئِكَ) أي الموصوفون بالصفات الحميدة (يُؤْمِنُونَ بِهِ) أي بالقرآن كعبد الله بن سلام وغيره ممن اتصف بتلك الصفات وهذا الفريق ليس له في الآخرة إلا الجنة (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ) أي بالقرآن (مِنَ الْأَحْزابِ) أي أصناف الكفار (فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أي مكان وعده وهي التي فيها ما لا يوصف من أفانين العذاب.
روى سعيد بن جبير عن أبي موسى أن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يسمع ابن يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا كان من أهل النار». قال أبو موسى : فقلت في نفسي : إن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لا يقول مثل هذا إلا عن القرآن فوجدت الله تعالى يقول : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) من أن مصير من كفر بالقرآن النار أن هذا الوعد هو الثابت ممن يريبك في دينك ودنياك والخطاب للنبي. والمراد غيره (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١٧) بذلك إما لاختلال أفكارهم وإما لعنادهم (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) بأن نسب إيه ما لا يليق به كقولهم في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله (أُولئِكَ) الموصوفون بالافتراء على الله تعالى (يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ) عرضا تظهر به فضيحتهم أي يساقون إلى الأماكن المعدة للحساب والسؤال (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) من الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم في الدنيا والأنبياء عند العرض (هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ) بالافتراء عليه ثم لما أخبر الله تعالى عن حالهم في القيامة أخبر عن حالهم في الحال بقوله تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١٨) بالتزام الكفر والضلال أي إنهم في الحال الملعونون من عند الله (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي الذين يمنعون من الدين الحق كل من يقدرون على منعه بإلقاء الشبهات (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يطلبون سبيل الله زيغا بتعويج الدلائل المستقيمة (وَهُمْ) أي والحال أنهم (بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (١٩) أي بالبعث بعد الموت جاحدون (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي لا يمكنهم أن يفلتوا بأنفسهم من عذاب الله بالهرب من الأرض مع سعتها إن أراد الله تعذيبهم (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) أي أنصار يدفعون عذاب الله عنهم أي إن عدم نزول العذاب ليس لأجل أنهم قدروا على منع الله من إنزال العذاب بالفرار ونحوه ، ولا لأجل أن لهم ناصرا يمنع العذاب عنهم كما زعموا أن الأصنام شفعاؤهم عند الله بل لأنه تعالى أمهلهم كي يتوبوا عن كفرهم فإذا أبوا إلا الثبات عليه فلا بد من مضاعفة العذاب في الآخرة كما قال تعالى : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) أي فيعذبون في الآخرة على ضلالهم في أنفسهم وعلى إضلالهم غيرهم ، وهذا غير خارج عن قوله تعالى : (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعام : ١٦٠].