وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بالتشديد (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) (٢٠) وهذا تعليل لمضاعفة العذاب أي لأنهم كانوا عاجزين عن الوقوف على دلائل الله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي فإنهم اشتروا عبادة الأصنام بعبادة الله تعالى وهذا أعظم وجوه الخسران (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢١) من شفاعة الأصنام لهم فلم يبق معهم غير الندامة (لا جَرَمَ) أي لا بد (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢) بذهاب الجنة وما فيها أي أنهم أخسر من كل خاسر لأنهم أظلم من كل ظالم (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ) أي إن الذين آمنوا بكل ما يجب الإيمان به ، وأتوا بالأعمال الصالحات ، واطمأنت قلوبهم عند أداء الأعمال إلى ذكر الله فارغة عن الالتفات إلى ما سوى الله تعالى ، واطمأنت إلى صدق وعد الله بالثواب على تلك الأعمال وخافت قلوبهم من أن يكونوا أتوا بتلك الأعمال مع وجود الإخلال ومن أن لا تكون مقبولة (أُولئِكَ) المنعوتون بتلك النعوت الجميلة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢٣) أي دائمون (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) أي صفة الكافر كصفة شخص متصف بالعمى والصمم فلا يهتدى لمقصوده ، وصفة المؤمن كصفة شخص متصف بالبصر والسمع فاهتدى لمطلوبه (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) أي صفة وحالا (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٤) أي أتشكون في عدم الاستواء ولا تتعظون بأمثال القرآن فتؤمنوا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) للعصاة من العقاب (مُبِينٌ) (٢٥) أي بين النذارة ، فأبين لكم طريق الخلاص من العذاب. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي «أني» بفتح الهمزة أي متلبسا بالإنذار. والباقون بالكسر على معنى فقال : إني لكم. (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) بدل من «أني لكم» إلخ. على قراءة الفتح ومجرور بالباء المقدرة التي للتعدية المتعلقة بأرسلنا (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (٢٦) في الدنيا أو في الآخرة (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي الأشراف منهم (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أي ما نعلمك إلا آدميا مثلنا ليس فيك مزية تخصك بوجوب الطاعة علينا (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) أي أخساؤنا كالحجامين والنساجين والأساكفة (بادِيَ الرَّأْيِ).
قرأ أبو عمرو ونصر عن الكسائي «بادئ» بالهمزة. والباقون بالياء ونصبه على الظرفية أي في ابتداء حدوث الرأي ولو احتاطوا في الكفر ما اتبعوك أو في ظاهر رأي العين (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي لا نرى لك ولمن تبعوك بعد الاتباع فضلا علينا لا في العقل ولا في رعاية المصالح العاجلة ولا في قوة الجدل (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٢٧) أي بل نظنك يا نوح في دعوى النبوة ، ونظن أصحابك كاذبين في تصديق نبوتك (قالَ) أي نوح : (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي على برهان عقلي في معرفة ذات الله وصفاته وما يجب وما يمتنع وما يجوز عليه (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) أي نبوة ومعجزة دالة على النبوة (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي وصار ذلك البرهان مشكوكا في عقولكم.