وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «فعميت» بضم العين وتشديد الميم. والباقون بفتح العين وتخفيف الميم (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٢٨) أي فهل أقدر على أن أجعلكم بحيث تصلون إلى معرفة ذلك البرهان وأنتم منكرون له. والمعنى أنكم زعمتم أن عهد النبوة لا يناله إلا من له فضيلة على سائر الناس أخبروني إن امتزت عنكم بحيازة فضيلة من ربي وهي دليل العقل وآتاني بحسبها نبوة من عنده فخفي عليكم دليل العقل ولم تنالوه ، ولم تعلموا حيازتي لها إلى الآن حتى زعمتم أني مثلكم وهي متحققة في نفسها أنلزمكم قبول نبوتي التابعة لها ، والحال أنكم كارهون لذلك فيكون الاستفهام لطلب الإقرار وحاصل الكلام أنهم لما قالوا وما نرى لكم علينا من فضل ذكر نوح عليهالسلام أن ذلك بسبب أن الحجة عميت عليكم واشتبهت ، فأما لو تركتم العناد واللجاج ونظرتم في الدليل لظهور المقصود وتبين أن الله تعالى آتانا عليكم فضلا عظيما وأنا لا أقدر على إعطاءكم الإلهام والمعرفة في تلك الحجة وإنما أقدر على أن أدعوكم إلى الله (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ) أي قال نوح عليهالسلام : أنا لا أطلب منكم على تبليغ دعوة الرسالة مالا حتى يتفاوت الحال بسبب كون المستجيب فقيرا وغنيا ، وما أجري على هذه الطاعة إلا على رب العالمين ، وإن ظننتم أني إنما اشتغلت بهذا التبليغ لأجل أخذ أموالكم فهذا الظن منكم خطأ ، وإنما أسعى في طلب الدين لا في طلب الدنيا وهذا يوجب فضلي عليكم ، فلا تحرموا أنفسكم من سعادة الدين بسبب هذا الظن الفاسد (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) بقولكم لي : امنع واطرد هؤلاء الأسافلة عنك ونحن نتبعك فإنا نستحي أن نجلس معهم في مجلسك (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) أي إنهم فائزون في الآخرة بلقاء الله تعالى فإن طردتهم استخصموني في الآخرة عنده فأعاقب على طردهم (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (٢٩) إن منزلة المؤمنين عند الله تعالى أعلى وإن طردهم يوجب غضب الله تعالى (وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ) أي بدفع نزول سخطه عني (إِنْ طَرَدْتُهُمْ) فإن الطرد ظلم موجب للسخط قطعا (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣٠) أي أتأمرونني بطردهم فلا تتعظون بما أقول لكم (وَلا أَقُولُ لَكُمْ) حين أدعي النبوة (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) أي رزقه وأمواله وهذا رد لقولهم : وما نرى لكم علينا من فضل كالمال (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) أي ولا أقول : إني أعلم الغيب حتى تسارعوا إلى الإنكار والاستبعاد ، وهذا رد لقولهم : وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ، أي في ظاهر حالهم وأول فكرهم وفي الباطن لم يتبعوك فقال نوح لهم : إني إنما أعول على الظاهر لا أعلم الغيب فأحكم به (وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) رد لقولهم ما نراك إلا بشرا مثلنا فكأن نوحا قال : أنا لم أدّع الملكية حتى تقولوا ذلك. أي إنكم اتخذتم فقدان هذه الأمور الثلاثة ذريعة إلى تكذيبي والحال أني لا أدعي شيئا من ذلك ولا الذي أدعيه يتعلق بشيء منها ، وإنما يتعلق بالفضائل النفسية التي بها تتفاوت مقادير البشر (وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أي ولا أقول كما تقولون في حق الذين تحتقرهم أعينكم (لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً) أي هداية