فجعل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام ، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو ومن معه البطن الأعلى ، وحمل ما يحتاج إليه من الزاد وغيره. (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ) أي طبقة من كبرائهم (سَخِرُوا مِنْهُ) أي كانوا يتضاحكون لعمله السفينة ويقولون : يا نوح كنت تدعي رسالة الله تعالى فصرت بعد ذلك نجارا ، وكان يصنعها في موضع بعيد عن الماء جدا. وكانوا يقولون : ليس هاهنا ماء ولا يمكنك نقلها إلى الأنهار العظيمة وإلى البحار فكانوا يعدون ذلك من باب السفه والجنون (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) (٣٨) اليوم منا. أي إن حكمتم علينا بالجهل فيما نصنع فإنا نحكم عليكم بالجهل فيما أنتم عليه من الكفر والتعرض لسخط الله وعذابه (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أي فسوف تعلمون أينا يأتيه عذاب في الدنيا ، ويهينه وهو عذاب الغرق من هو أحق بالسخرية ومن هو أحمد عاقبة (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٩) أي وأينا ينزل عليه عذاب النار الدائم في الآخرة (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) أي عذابنا الموعود به (وَفارَ التَّنُّورُ) أي نبع الماء من تنور الخبز وارتفع بشدة كما تفور القدر بغليانها.
روي أنه قيل لنوح عليهالسلام : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب ومن معك في السفينة ، فلما نبع الماء أخبرته امرأته فركب وقيل : كان التنور لآدم وكانت حواء تقمر فيه فصار إلى نوح وكان من حجارة وهو في الكوفة على يمين الداخل مما يلي باب كندة في المسجد (قُلْنَا احْمِلْ فِيها) أي السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ).
وقرأ حفص «من كل» بالتنوين أي من كل شيء زوجين اثنين كل منهما زوج للآخر. والجمهور على الإضافة أي من كل فردين متزاوجين اثنين بأن تحمل من الطير ذكرا وأنثى ، ومن الغنم ذكرا وأنثى وهكذا ، وتترك الباقي. والمراد من الحيوانات التي تنفع والتي تلد أو تبيض فيخرج المضرات والتي تنشأ من العفونة والتراب كالدود والقمل والبق والبعوض. (وَأَهْلَكَ) عطف على «زوجين» على قراءة حفص وعلى اثنين على قراءة غيره (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) بأنه من المغرقين بسبب ظلمهم في قوله تعالى : (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) [هود : ٣٧] الآية. والمراد به : ابنه كنعان وأمه واعلة فإنهما كانا كافرين فحمل في السفينة زوجته المؤمنة وأولادها الثلاثة مع نسائهم سام وحام ويافث. فسام أبو العرب ، وحام أبو السودان ، ويافث أبو الترك. (وَمَنْ آمَنَ) عطف على زوجين أو على اثنين أي واحمل من آمن من غير أهلك (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤٠).
وعن ابن عباس قال : كان في سفينة نوح ثمانون. إنسانا نصفهم رجال ونصفهم نساء. وقال مقاتل : في ناحية الموصل قرية يقال لها : قرية الثمانين سميت بذلك لأن هؤلاء لما خرجوا من السفينة بنوها فسميت بهذا الاسم (وَقالَ) أي نوح عليه الصلاة والسلام لمن معه من المؤمنين (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ) أي اركبوا في السفينة ذاكرين اسم الله (مَجْراها وَمُرْساها) أي